فصل: تفسير الآيات رقم (41- 42)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***


الجزء الرابع عشر

تَفْسِيرُ سُورَةِ الْحِجْرِ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

تفسير الآية رقم ‏[‏1‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ‏}‏‏.‏

أَمَّا قَوْلُهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ ‏(‏الر‏)‏، فَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهَا فِيمَا مَضَى قَبْلُ‏.‏ وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ‏}‏ فَإِنَّهُ يَعْنِي‏:‏ هَذِهِ الْآيَاتِ، آيَاتِ الْكُتُبِ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَ الْقُرْآنِ كَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ‏(‏وَقُرْآنٍ‏)‏ يَقُولُ‏:‏ وَآيَاتُ قُرْآنٍ ‏(‏مُبِينٍ‏)‏ يَقُولُ‏:‏ يُبِينُ مَنْ تَأَمَّلَهُ وَتَدَبَّرَهُ رُشْدَهُ وَهُدَاهُ‏.‏

كَمَّا‏:‏ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ‏:‏ ثنا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَقُرْآنٍ مُبِينٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ تَبَيَّنَ وَاللَّهِ هُدَاهُ وَرُشْدَهُ وَخَيْرَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ‏:‏ ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏(‏الر‏)‏ فَوَاتِحٌ يَفْتَتِحُ بِهَا كَلَامَهُ ‏{‏تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ‏}‏ قَالَ‏:‏ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ‏:‏ ثنا هِشَامٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْكُتُبُ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَ الْقُرْآنِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏2‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ‏}‏‏.‏

اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ ‏(‏رُبَمَا‏)‏ فَقَرَأَتْ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ ‏(‏رُبَمَا‏)‏ بِتَخْفِيفِ الْبَاءِ، وَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ بِتَشْدِيدِهَا‏.‏

وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنْ يُقَالَ‏:‏ إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ، وَلُغَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَئِمَّةٌ مِنَ الْقُرَّاءِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَهُوَ مُصِيبٌ‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي مَعْنَى ‏"‏مَا‏"‏ الَّتِي مَعَ ‏"‏رُبَّ‏"‏، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ‏:‏ أَدْخَلَ مَعَ رُبَّ ‏"‏مَا‏"‏ لِيَتَكَلَّمَ بِالْفِعْلِ بَعْدَهَا، وَإِنْ شِئْتَ جَعَلْتَ ‏"‏مَا‏"‏ بِمَنْـزِلَةِ شَيْءٍ، فَكَأَنَّكَ قُلْتَ‏:‏ رُبَّ شَيْءٍ، يَوَدُّ‏:‏ أَيْ رُبَّ وُدٍّ يَوَدُّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا‏.‏ وَقَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ، وَقَالَ‏:‏ الْمَصْدَرُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى عَائِدٍ، وَالْوُدُّ قَدْ وَقَعَ عَلَى ‏"‏لَوْ‏"‏، رُبَّمَا يَوَدُّونَ لَوْ كَانُوا‏:‏ أَنْ يَكُونُوا، قَالَ‏:‏ وَإِذَا أَضْمَرَ الْهَاءَ فِي ‏"‏لَوْ‏"‏ فَلَيْسَ بِمَفْعُولٍ، وَهُوَ مَوْضِعُ الْمَفْعُولِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُتَرْجَمَ الْمَصْدَرُ بِشَيْءٍ، وَقَدْ تَرْجَمَهُ بِشَيْءٍ، ثُمَّ جَعَلَهُ وُدًّا، ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ عَائِدًا‏.‏ فَكَانَ الْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ يَقُولَانِ‏:‏ لَا تَكَادُ الْعَرَبُ تُوقِعُ ‏"‏رُبَّ‏"‏ عَلَى مُسْتَقْبَلٍ، وَإِنَّمَا يُوقِعُونَهَا عَلَى الْمَاضِي مِنَ الْفِعْلِ كَقَوْلِهِمْ‏:‏ رُبَّمَا فَعَلْتُ كَذَا، وَرُبَّمَا جَاءَنِي أَخُوكَ، قَالَا وَجَاءَ فِي الْقُرْآنِ مَعَ الْمُسْتَقْبَلِ‏:‏ رُبَّمَا يَوَدُّ، وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ لِأَنَّ مَا كَانَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ وَعْدٍ وَوَعِيدٍ وَمَا فِيهِ، فَهُوَ حَقٌّ كَأَنَّهُ عِيَانٌ، فَجَرَى الْكَلَامُ فِيمَا لَمْ يَكُنْ بَعْدُ مَجْرَاهُ فِيمَا كَانَ، كَمَا قِيلَ ‏{‏وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ‏}‏ وَقَوْلِهِ ‏{‏وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ‏}‏ كَأَنَّهُ مَاضٍ وَهُوَ مُنْتَظَرٌ لِصِدْقِهِ فِي الْمَعْنَى، وَأَنَّهُ لَا مُكَذِّبَ لَهُ، وَأَنَّ الْقَائِلَ لَا يَقُولُ إِذَا نَهَى أَوْ أَمَرَ فَعَصَاهُ الْمَأْمُورُ يَقُولُ‏:‏ أَمَا وَاللَّهِ لَرُبَّ نَدَامَةٍ لَكَ تَذَكَّرُ قَوْلِي فِيهَا لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ سَيَنْدَمُ، وَاللَّهُ وَوَعْدُهُ أَصْدَقُ مِنْ قَوْلِ الْمَخْلُوقِينَ‏.‏ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَصْحَبَ رُبَّمَا الدَّائِمُ وَإِنْ كَانَ فِي لَفْظِ يَفْعَلُ، يُقَالُ‏:‏ رُبَّمَا يَمُوتُ الرَّجُلُ فَلَا يُوجَدُ لَهُ كَفَنٌ، وَإِنْ أُولِيَتِ الْأَسْمَاءُ كَانَ مَعَهَا ضَمِيرُ كَانَ، كَمَا قَالَ أَبُو دَاوُدَ‏:‏

رُبَّمَـا الْجَـامِلُ الْمُـؤَبَّلُ فِيهِـمُ *** وَعَنَـاجِيجُ بَيْنَهُـنَّ الْمِهَـارُ

فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ‏:‏ رُبَّمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ فَجَحَدُوا وَحْدَانِيَّتَهُ لَوْ كَانُوا فِي دَارِ الدُّنْيَا مُسْلِمِينَ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ الْكِنْدِيُّ، قَالَ‏:‏ ثنا خَالِدُ بْنُ نَافِعٍ الْأَشْعَرِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ‏:‏ «بَلَغَنَا أَنَّهُ إِذَا كَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَاجْتَمَعَ أَهْلُ النَّارِ فِي النَّارِ وَمَعَهُمْ مَنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، قَالَ الْكُفَّارُ لِمَنْ فِي النَّارِ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ‏:‏ أَلَسْتُمْ مُسْلِمِينَ‏؟‏ قَالُوا‏:‏ بَلَى، قَالُوا‏:‏ فَمَا أَغْنَى عَنْكُمْ إِسْلَامُكُمْ وَقَدْ صِرْتُمْ مَعَنَا فِي النَّارِ‏؟‏ قَالُوا‏:‏ كَانَتْ لَنَا ذُنُوبٌ فَأَخَذْنَا بِهَا، فَسَمِعَ اللَّهُ مَا قَالُوا، فَأَمَرَ بِكُلِّ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ فِي النَّارِ فَأُخْرِجُوا، فَقَالَ مَنْ فِي النَّارِ مِنَ الْكُفَّارِ‏:‏ يَا لَيْتَنَا كُنَّا مُسْلِمِينَ، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ‏}‏»‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عَمْرُو بْنُ الْهَيْثَمِ أَبُو قَطَنٍ الْقَطَعِيُّ، وَرَوْحٌ الْقَيْسِيُّ، وَعَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ وَاللَّفْظُ لِأَبِي قَطَنٍ قَالُوا‏:‏ ثنا الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جِرْوَةَ، قَالَ‏:‏ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ يَتَأَوَّلَانِ هَذِهِ الْآيَةَ ‏{‏رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ‏}‏ قَالَا ذَلِكَ يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ أَهْلَ الْخَطَايَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ فِي النَّارِ‏.‏ وَقَالَ عَفَّانُ‏:‏ حِينَ يُحْبَسُ أَهْلُ الْخَطَايَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ، فَيَقُولُ الْمُشْرِكُونَ‏:‏ مَا أَغْنَى عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ، زَادَ أَبُو قَطَنٍ‏:‏ قَدْ جُمِعْنَا وَإِيَّاكُمْ، وَقَالَ أَبُو قَطَنٍ وَعَفَّانُ‏:‏ فَيَغْضَبُ اللَّهُ لَهُمْ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ، وَلَمْ يُقِلْهُ رَوْحُ بْنُ عِبَادَةَ، وَقَالُوا جَمِيعًا‏:‏ فَيُخْرِجُهُمُ اللَّهُ، وَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ اللَّهُ ‏{‏رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثنا عَفَّانُ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو عِوَانَةَ، قَالَ‏:‏ ثنا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ يُدْخَلُ الْجَنَّةَ وَيُرْحَمُ حَتَّى يَقُولَ فِي آخِرِ ذَلِكَ‏:‏ مَنْ كَانَ مُسْلِمًا فَلْيَدْخُلِ الْجَنَّةَ، قَالَ‏:‏ فَذَلِكَ قَوْلُهُ ‏{‏رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ‏}‏ ذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَتَمَنَّى الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُوَحِّدِينَ‏.‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ‏:‏ ثنا سُفْيَانُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِي الزَّعْرَاءِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ هَذَا فِي الْجَهَنَّمِيِّينَ إِذَا رَأَوْهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ‏:‏ ثنا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثنا ابْنُ أَبِي فَرْوَةَ الْعَبْدِيُّ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَأَنَسَ بْنَ مَالِكٍ كَانَا يَتَأَوَّلَانِ هَذِهِ الْآيَةَ ‏{‏رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ‏}‏ يَتَأَوَّلَانِهَا يَوْمَ يَحْبِسُ اللَّهُ أَهْلَ الْخَطَايَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ فِي النَّارِ، قَالَ‏:‏ فَيَقُولُ لَهُمُ الْمُشْرِكُونَ‏:‏ مَا أَغْنَى عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ فِي الدُّنْيَا، قَالَ‏:‏ فَيَغْضَبُ اللَّهُ لَهُمْ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ، فَيُخْرِجُهُمْ، فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ ‏{‏رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثنا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ مَا يَزَالُ اللَّهُ يُدْخِلُ الْجَنَّةَ، وَيَرْحَمُ وَيَشْفَعُ حَتَّى يَقُولَ‏:‏ مَنْ كَانَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَلْيَدْخُلِ الْجَنَّةَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ ‏{‏رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ‏:‏ ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، قَالَ‏:‏ ثنا حَمَّادٌ، قَالَ‏:‏ سَأَلْتُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ ‏{‏رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ حُدِّثْتُ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا لِمَنْ دَخَلَ النَّارَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ‏:‏ مَا أَغْنَى عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ، قَالَ‏:‏ فَيَغْضَبُ اللَّهُ لَهُمْ، فَيَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ‏:‏ اشْفَعُوا، فَيَشْفَعُونَ، فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ، حَتَّى إِنَّ إِبْلِيسَ لِيَتَطَاوَلُ رَجَاءَ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهُمْ، قَالَ‏:‏ فَعِنْدَ ذَلِكَ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا حَجَّاجٌ، قَالَ‏:‏ ثنا حَمَّادٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ يَقُولُ مَنْ فِي النَّارِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ لِلْمُسْلِمِينَ‏:‏ مَا أَغْنَتْ عَنْكُمْ ‏"‏لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ‏"‏ قَالَ‏:‏ فَيَغْضَبُ اللَّهُ لَهُمْ، فَيَقُولُ‏:‏ مَنْ كَانَ مُسْلِمًا فَلْيَخْرُجْ مِنَ النَّارِ، قَالَ‏:‏ فَعِنْدَ ذَلِكَ ‏{‏يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرُ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ ‏{‏رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ إِنَّ أَهْلَ النَّارِ يَقُولُونَ‏:‏ كُنَّا أَهْلَ شِرْكٍ وَكُفْرٍ، فَمَا شَأْنُ هَؤُلَاءِ الْمُوَحِّدِينَ مَا أَغْنَى عَنْهُمْ عِبَادَتُهُمْ إِيَّاهُ، قَالَ‏:‏ فَيَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَعِنْدَ ذَلِكَ ‏{‏يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ‏:‏ يَقُولُ أَهْلُ النَّارِ لِلْمُوَحِّدِينَ‏:‏ مَا أَغْنَى عَنْكُمْ إِيمَانُكُمْ‏؟‏ قَالَ‏:‏ فَإِذَا قَالُوا ذَلِكَ، قَالَ‏:‏ أَخْرِجُوا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ، فَعِنْدَ ذَلِكَ ‏{‏يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا مُسْلِمٌ، قَالَ‏:‏ ثنا هِشَامٌ، عَنْ حَمَّادٍ، قَالَ‏:‏ سَأَلْتُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏{‏رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْكُفَّارُ يُعَيِّرُونَ أَهْلَ التَّوْحِيدِ‏:‏ مَا أَغْنَى عَنْكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَيَغْضَبُ اللَّهُ لَهُمْ، فَيَأْمُرُ النَّبِيِّينَ وَالْمَلَائِكَةَ فَيَشْفَعُونَ، فَيَخْرُجُ أَهْلُ التَّوْحِيدِ، حَتَّى إِنَّ إِبْلِيسَ لِيَتَطَاوَلُ رَجَاءَ أَنْ يَخْرُجَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ ‏{‏رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ‏:‏ ثنا عَبْدُ السَّلَامِ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ‏:‏ هَذَا فِي الْجَهَنَّمِيِّينَ، إِذَا رَأَوْهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ ‏{‏يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، قَالَ‏:‏ ثنا حَمَّادٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ‏:‏ إِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ خَلْقِهِ، قَالَ‏:‏ مَنْ كَانَ مُسْلِمًا فَلْيَدْخُلِ الْجَنَّةَ، فَعِنْدَ ذَلِكَ ‏{‏يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحَسَنُ قَالَ‏:‏ ثنا وَرْقَاءُ، وَحَدَّثَنِي الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثنا شَبَابَةُ، قَالَ‏:‏ ثنا وَرْقَاءُ، وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ‏:‏ ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ ‏{‏رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ يَوْمَ الْقِيَامَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ ‏{‏رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ فِيهَا وَجْهَانِ اثْنَانِ، يَقُولُونَ‏:‏ إِذَا حَضَرَ الْكَافِرَ الْمَوْتُ وَدَّ لَوْ كَانَ مُسْلِمًا‏.‏ وَيَقُولُ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ يُعَذِّبُ اللَّهُ نَاسًا مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ فِي النَّارِ بِذُنُوبِهِمْ، فَيَعْرِفُهُمُ الْمُشْرِكُونَ فَيَقُولُونَ‏:‏ مَا أَغْنَتْ عَنْكُمْ عِبَادَةُ رَبِّكُمْ، وَقَدْ أَلْقَاكُمْ فِي النَّارِ، فَيَغْضَبُ لَهُمْ فَيُخْرِجُهُمْ، فَيَقُولُ ‏{‏رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبِي، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِالرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ نَـزَلَتْ فِي الَّذِينَ يَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثنا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ ‏{‏رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ‏}‏ وَذَلِكَ وَاللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَدُّوا لَوْ كَانُوا فِي الدُّنْيَا مُسْلِمِينَ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثنا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ مَا يَزَالُ اللَّهُ يُدْخِلُ الْجَنَّةَ وَيَشْفَعُ حَتَّى يَقُولَ‏:‏ مَنْ كَانَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَلْيَدْخُلِ الْجَنَّةَ، فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ ‏{‏رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏3‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ذَرْ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ يَأْكُلُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا مَا هُمْ آكِلُوهُ، وَيَتَمَتَّعُوا مِنْ لَذَّاتِهَا وَشَهَوَاتِهِمْ فِيهَا إِلَى أَجَلِهِمُ الَّذِي أَجَّلْتُ لَهُمْ، وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ عَنِ الْأَخْذِ بِحَظِّهِمْ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ فِيهَا، وَتَزَوُّدِهِمْ لِمَعَادِهِمْ مِنْهَا بِمَا يُقَرِّبُهُمْ مِنْ رَبِّهِمْ، فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ غَدًا إِذَا وَرَدُوا عَلَيْهِ‏.‏ وَقَدْ هَلَكُوا عَلَى كُفْرِهِمْ بِاللَّهِ وَشِرْكِهِمْ حِينَ يُعَايِنُونَ عَذَابَ اللَّهِ أَنَّهُمْ كَانُوا مِنْ تَمَتُّعِهِمْ بِمَا كَانُوا يَتَمَتَّعُونَ فِيهَا مِنَ اللَّذَّاتِ وَالشَّهَوَاتِ كَانُوا فِي خَسَارٍ وَتِبَابٍ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏4‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ ‏{‏وَمَا أَهْلَكْنَا‏}‏ يَا مُحَمَّدُ ‏(‏مِنْ‏)‏ أَهْلِ ‏(‏قَرْيَةٍ‏)‏ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى الَّتِي أَهْلَكْنَا أَهْلَهَا فِيمَا مَضَى ‏{‏إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ إِلَّا وَلَهَا أَجْلٌ مُؤَقَّتٌ وَمُدَّةٌ مَعْرُوفَةٌ، لَا نُهْلِكُهُمْ حَتَّى يَبْلُغُوهَا، فَإِذَا بَلَغُوهَا أَهْلَكْنَاهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ، فَيَقُولُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَذَلِكَ أَهْلُ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَنْتَ مِنْهَا وَهِيَ مَكَّةُ، لَا نُهْلِكُ مُشْرِكِي أَهْلِهَا إِلَّا بَعْدَ بُلُوغِ كُتَّابِهِمْ أَجَلَهُ، لِأَنَّ مِنْ قَضَائِي أَنْ لَا أُهْلِكُ أَهْلَ قَرْيَةٍ إِلَّا بَعْدَ بُلُوغِ كِتَابِهِمْ أَجَلَهُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏5‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ مَا يَتَقَدَّمُ هَلَاكُ أُمَّةٍ قَبْلَ أَجَلِهَا الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ أَجَلًا لِهَلَاكِهَا، وَلَا يَسْتَأْخِرُ هَلَاكُهَا عَنِ الْأَجَلِ الَّذِي جُعِلَ لَهَا أَجَلًا‏.‏

كَمَا حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ‏:‏ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزَّهْرِيِّ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ نَرَى أَنَّهُ إِذَا حَضَرَ أَجَلُهُ، فَإِنَّهُ لَا يُؤَخَّرُ سَاعَةً وَلَا يُقَدَّمُ‏.‏ وَأَمَّا مَا لَمْ يَحْضُرْ أَجَلُهُ، فَإِنَّ اللَّهَ يُؤَخِّرُ مَا شَاءَ وَيُقَدِّمُ مَا شَاءَ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏6- 7‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُـزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَقَالَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ لَكَ مِنْ قَوْمِكَ يَا مُحَمَّدُ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِي نُـزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ‏}‏ وَهُوَ الْقُرْآنُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهَ فِيهِ مَوَاعِظِ خَلْقِهِ ‏{‏إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ‏}‏ فِي دُعَائِكَ إِيَّانَا إِلَى أَنْ نَتَّبِعَكَ، وَنَذَرَ آلِهَتَنَا ‏{‏لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ‏}‏ قَالُوا‏:‏ هَلَّا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ شَاهِدَةً لَكَ عَلَى صِدْقِ مَا تَقُولُ‏؟‏ ‏{‏إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ‏}‏ يَعْنِي‏:‏ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا فِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعَثَكَ إِلَيْنَا رَسُولًا وَأَنْـزَلَ عَلَيْكَ كِتَابًا، فَإِنَّ الرَّبَّ الَّذِي فَعَلَ مَا تَقُولُ بِكَ، لَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ إِرْسَالُ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَتِهِ مَعَكَ حُجَّةً لَكَ عَلَيْنَا، وَآيَةً لَكَ عَلَى نُبُوَّتِكَ، وَصِدْقِ مَقَالَتِكَ‏:‏ وَالْعَرَبُ تَضَعُ مَوْضِعَ لَوْمَا‏:‏ لَوْلَا وَمَوْضِعَ لَوْلَا لَوْمَا، مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ مُقْبِلٍ‏:‏

لَوْمَـا الْحَيَـاءُ وَلَوْمَـا الـدِّينُ عِبْتُكُمَا *** بِبَعْـضِ مَـا فِيكُمَـا إِذْ عِبْتُمَـا عَوَرِي

يُرِيدُ‏:‏ لَوْ لَا الْحَيَاءُ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى الذِّكْرِ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ‏:‏ ‏{‏نُـزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْقُرْآنُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏8‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏مَا نُنَـزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ‏}‏‏.‏

اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ ‏{‏مَا نُنَـزِّلُ الْمَلَائِكَةَ‏}‏ فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ ‏{‏مَا تَنَـزَّلُ الْمَلَائِكَةُ‏}‏ بِالتَّاء تَنَـزَّلُ وَفَتْحِهَا وَرَفْعِ الْمَلَائِكَةِ، بِمَعْنَى‏:‏ مَا تَنَـزَّلُ الْمَلَائِكَةُ، عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ لِلْمَلَائِكَةِ‏.‏ وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ ‏{‏مَا نُنَـزِّلُ الْمَلَائِكَةَ‏}‏ بِالنُّونِ فِي نُنَـزِّلُ وَتَشْدِيدِ الزَّايِ وَنَصْبِ الْمَلَائِكَةِ، بِمَعْنَى‏:‏ مَا نُنَـزِّلُهَا نَحْنُ، وَالْمَلَائِكَةَ حِينَئِذٍ مَنْصُوبٌ بِوُقُوعِ نُنَـزِّلُ عَلَيْهَا‏.‏ وَقَرَأَهُ بَعْضُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ ‏(‏مَا تَنَـزَّلُ الْمَلَائِكَةُ‏)‏ بِرَفْعِ الْمَلَائِكَةِ وَالتَّاءِ فِي تُنَـزَّلُ وَضَمِّهَا، عَلَى وَجْهِ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَكُلُّ هَذِهِ الْقِرَاءَاتِ الثَّلَاثِ مُتَقَارِبَاتُ الْمَعَانِي، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ إِذَا نَـزَّلَهَا اللَّهُ عَلَى رَسُولٍ مِنْ رُسُلِهِ تَنَـزَّلَتْ إِلَيْهِ، وَإِذَا تَنَـزَلَتْ إِلَيْهِ، فَإِنَّمَا تَنْـزِلُ بِإِنْـزَالِ اللَّهِ إِيَّاهَا إِلَيْهِ، فَبِأَيِّ هَذِهِ الْقِرَاءَاتِ الثَّلَاثِ قَرَأَ ذَلِكَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ الصَّوَابَ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كُنْتُ أُحِبُّ لِقَارِئِهِ أَنْ لَا يَعْدُوَ فِي قِرَاءَتِهِ إِحْدَى الْقِرَاءَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرْتُ مِنْ قِرَاءَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَالْأُخْرَى الَّتِي عَلَيْهَا جُمْهُورُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْقِرَاءَةُ الْمَعْرُوفَةُ فِي الْعَامَّةِ، وَالْأُخْرَى‏:‏ أَعْنِي قِرَاءَةَ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ‏:‏ ‏(‏مَا تُنَـزَّلُ‏)‏ بِضَمِّ التَّاءِ فِي تَنَـزَّلُ وَرَفْعِ الْمَلَائِكَةِ شَاذَّةٌ قَلِيلٌ مَنْ قَرَأَ بِهَا‏.‏

فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ‏:‏ مَا نُنَـزِّلُ مَلَائِكَتَنَا إِلَّا بِالْحَقِّ، يَعْنِي بِالرِّسَالَةِ إِلَى رُسُلِنَا، أَوْ بِالْعَذَابِ لِمَنْ أَرَدْنَا تَعْذِيبَهُ‏.‏ وَلَوْ أَرْسَلْنَا إِلَى هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى مَا يَسْأَلُونَ إِرْسَالَهُمْ مَعَكَ آيَةً فَكَفَرُوا لَمْ يُنْظَرُوا فَيُؤَخَّرُوا بِالْعَذَابِ، بَلْ عُوجِلُوا بِهِ كَمَا فَعَلْنَا ذَلِكَ بِمَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ حِينَ سَأَلُوا الْآيَاتِ فَكَفَرُوا حِينَ آتَتْهُمُ الْآيَاتُ، فَعَاجَلْنَاهُمْ بِالْعُقُوبَةِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي قَوْلِهِ ‏{‏مَا نُنَـزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ‏}‏ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثنا وَرْقَاءُ، وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ‏:‏ ثنا شَبَابَةُ، قَالَ‏:‏ ثنا وَرْقَاءُ، وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ‏:‏ ثنا شِبْلٌ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏مَا نُنَـزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ‏}‏ قَالَ‏:‏ بِالرِّسَالَةِ وَالْعَذَابِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏9‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إِنَّا نَحْنُ نَـزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّا نَحْنُ نَـزَّلْنَا الذِّكْرَ‏}‏ وَهُوَ الْقُرْآنُ ‏{‏وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ وَإِنَّا لِلْقُرْآنِ لَحَافِظُونَ مِنْ أَنْ يُزَادَ فِيهِ بَاطِلٌ مَا، لَيْسَ مِنْهُ، أَوْ يُنْقَصَ مِنْهُ مَا هُوَ مِنْهُ مِنْ أَحْكَامِهِ وَحُدُودِهِ وَفَرَائِضِهِ، وَالْهَاءُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏لَهُ‏)‏ مِنْ ذِكْرِ الذِّكْرِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثنا وَرْقَاءُ، وَحَدَّثَنِي الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثنا شَبَابَةُ، قَالَ‏:‏ ثنا وَرْقَاءُ، وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ عِنْدَنَا‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثنا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ ‏{‏إِنَّا نَحْنُ نَـزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ‏}‏، قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى ‏{‏لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ‏}‏ وَالْبَاطِلُ‏:‏ إِبْلِيسُ ‏{‏مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ‏}‏ فَأَنْـزَلَهُ اللَّهُ ثُمَّ حَفِظَهُ، فَلَا يَسْتَطِيعُ إِبْلِيسُ أَنْ يَزِيدَ فِيهِ بَاطِلًا وَلَا يَنْتَقِصَ مِنْهُ حَقًّا، حَفِظَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ حَفِظَهُ اللَّهُ مِنْ أَنْ يَزِيدَ فِيهِ الشَّيْطَانُ بَاطِلًا أَوْ يَنْقُصُ مِنْهُ حَقًّا، وَقِيلَ‏:‏ الْهَاءُ فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ‏}‏ مِنْ ذِكْرِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَعْنَى‏:‏ وَإِنَّا لِمُحَمَّدٍ حَافِظُونَ مِمَّنْ أَرَادَهُ بِسُوءٍ مِنْ أَعْدَائِهِ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏10- 11‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا يَا مُحَمَّدُ مِنْ قَبْلِكَ فِي الْأُمَمِ الْأَوَّلِينَ رُسُلًا وَتَرَكَ ذِكْرَ الرُّسُلِ اكْتِفَاءً بِدَلَالَةِ قَوْلِهِ ‏{‏وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ‏}‏ عَلَيْهِ، وَعَنَى بِشِيَعِ الْأَوَّلِينَ‏:‏ أُمَمَ الْأَوَّلِينَ‏:‏ وَاحِدَتُهَا شِيعَةٌ، وَيُقَالُ أَيْضًا لِأَوْلِيَاءِ الرَّجُلِ‏:‏ شَيَّعَتُهُ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ‏:‏ ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ أُمَمُ الْأَوَّلِينَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ‏:‏ ثنا هِشَامٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ فِي الْأُمَمِ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَمَا يَأْتِي شِيَعَ الْأَوَّلِينَ مِنْ رَسُولٍ مِنَ اللَّهِ يُرْسِلُهُ إِلَيْهِمْ بِالدُّعَاءِ إِلَى تَوْحِيدِهِ، وَالْإِذْعَانِ بِطَاعَتِهِ، إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ‏:‏ يَقُولُ‏:‏ إِلَّا كَانُوا يَسْخَرُونَ بِالرَّسُولِ الَّذِي يُرْسِلُهُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ عُتُوًّا مِنْهُمْ وَتَمَرُّدًا عَلَى رَبِّهِمْ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏12- 13‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ كَمَا سَلَكْنَا الْكُفْرَ فِي قُلُوبِ شِيَعِ الْأَوَّلِينَ بِالِاسْتِهْزَاءِ بِالرُّسُلِ، كَذَلِكَ نَفْعَلُ ذَلِكَ فِي قُلُوبِ مُشْرِكِي قَوْمِكَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا بِالْكُفْرِ بِاللَّهِ ‏{‏لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ لَا يُصَدِّقُونَ بِالذِّكْرِ الَّذِي أُنْـزِلَ إِلَيْكَ، وَالْهَاءُ فِي قَوْلِهِ ‏(‏نَسْلُكُهُ‏)‏ مِنْ ذِكْرِ الِاسْتِهْزَاءِ بِالرُّسُلِ وَالتَّكْذِيبِ بِهِمْ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ‏{‏كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ التَّكْذِيبُ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ‏}‏ لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ، قَالَ‏:‏ إِذَا كَذَّبُوا سَلَكَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ أَنْ لَا يُؤْمِنُوا بِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ الشِّرْكُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، قَالَ‏:‏ ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ قَرَأْتُ الْقُرْآنَ كُلَّهُ عَلَى الْحَسَنِفِي بَيْتِ أَبِي خَلِيفَةَ، فَفَسَّرَهُ أَجْمَعَ عَلَى الْإِثْبَاتِ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِهِ ‏{‏كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ أَعْمَالٌ سَيَعْمَلُونَهَا لَمْ يَعْمَلُوهَا‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا سُوِيدٌ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، قَالَ‏:‏ قَرَأَتُ الْقُرْآنَ كُلَّهُ عَلَى الْحَسَنِ، فَمَا كَانَ يُفَسِّرُهُ إِلَّا عَلَى الْإِثْبَاتِ، قَالَ‏:‏ وَقَفْتُهُ عَلَى نَسْلُكُهُ، قَالَ‏:‏ الشِّرْكُ، قَالَ‏:‏ ابْنُ الْمُبَارَكِ‏:‏ سَمِعْتُ سُفْيَانَ فِي قَوْلِهِ ‏(‏نَسْلُكُهُ‏)‏ قَالَ‏:‏ نَجْعَلُهُ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ ‏{‏كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ‏}‏ قَالَ‏:‏ هُمْ كَمَا قَالَ اللَّهُ، هُوَ أَضَلَّهُمْ وَمَنَعَهُمُ الْإِيمَانَ، يُقَالُ مِنْهُ‏:‏ سَلَكَهُ يَسْلُكُهُ سَلْكًا وَسُلُوكًا، وَأَسْلَكَهُ يَسْلُكُهُ إِسْلَاكًا، وَمِنَ السُّلُوكِ قَوْلُ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ‏:‏

وَكُـنْتَ لِـزَازَ خَـصْمِكَ لَـمْ أُعَـرِّدْ *** وَقَـدْ سَـلَكُوكَ فِـي يَـوْمٍ عَصِيـبِ

وَمِنَ الْإِسْلَاكِ قَوْلُ الْآخَرِ‏:‏

حَـتَّى إِذَا أَسْـلَكُوهُمْ فِـي قُتَـائِدَةٍ *** شَـلًّا كَمَـا تَطْـرُدِ الْجَمَّالَـةُ الشُّـرُدَا

وَقَوْلُهُ ‏{‏وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ لَا يُؤْمِنُ بِهَذَا الْقُرْآنِ قَوْمُكَ الَّذِينَ سَلَكْتُ فِي قُلُوبِهِمُ التَّكْذِيبَ ‏{‏حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ‏}‏ أَخْذًا مِنْهُمْ سُنَّةَ أَسْلَافِهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَبْلَهُمْ مِنْ قَوْمِ عَادٍ وَثَمُودَ وَضُرَبَائِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ الَّتِي كَذَّبَتْ رُسُلَهَا، فَلَمْ تُؤْمِنْ بِمَا جَاءَهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ حَتَّى حَلَّ بِهَا سَخَطُ اللَّهِ فَهَلَكَتْ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثنا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ ‏{‏كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ‏}‏ وَقَائِعُ اللَّهِ فِيمَنْ خَلَا قَبْلَكُمْ مِنَ الْأُمَمِ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏14- 15‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ‏}‏‏.‏

اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنَيَيْنِ بِقَوْلِهِ ‏{‏فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ‏}‏ فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ مَعْنَى الْكَلَامِ‏:‏ وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَى هَؤُلَاءِ الْقَائِلِينَ لَكَ يَا مُحَمَّدُ ‏{‏لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ‏}‏ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلَّتِ الْمَلَائِكَةُ تَعْرُجُ فِيهِ وَهُمْ يَرَوْنَهُمْ عِيَانًا ‏{‏لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ‏}‏‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثني أَبِي، قَالَ‏:‏ ثني عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ ‏{‏وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ لَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ، فَظَلَّتِ الْمَلَائِكَةُ تَعْرُجُ فِيهِ، لَقَالَ أَهْلُ الشِّرْكِ‏:‏ إِنَّمَا أُخِذَ أَبْصَارُنَا، وَشُبِّهَ عَلَيْنَا، وَإِنَّمَا سُحِرْنَا، فَذَلِكَ قَوْلُهُمْ‏:‏ ‏{‏لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثنا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ‏}‏ فَظَلَّتِ الْمَلَائِكَةُ يَعْرُجُونَ فِيهِ يَرَاهُمْ بَنُو آدَمَ عَيَانًا ‏{‏لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلَهُ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِي نُـزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ مَا بَيْنَ ذَلِكَ إِلَى قَوْلِهِ ‏{‏وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ رَجَعَ إِلَى قَوْلِهِ ‏{‏لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ‏}‏ مَا بَيْنَ ذَلِكَ‏.‏ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ فَظَلَّتِ الْمَلَائِكَةُ تَعْرُجُ فَنَظَرُوا إِلَيْهِمْ ‏{‏لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا‏}‏ قَالَ‏:‏ قُرَيْشٌ تَقَوُلُهُ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ لَوْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ بَابًا فَظَلَّتِ الْمَلَائِكَةُ تَعْرُجُ فِيهِ، يَقُولُ‏:‏ يَخْتَلِفُونَ فِيهِ جَائِينَ وَذَاهِبِينَ ‏{‏لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا‏}‏‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ‏}‏ يَعْنِي‏:‏ الْمَلَائِكَةُ‏:‏ يَقُولُ‏:‏ لَوْ فَتَحْتُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ، فَنَظَرُوا إِلَى الْمَلَائِكَةِ تَعَرُجُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، لَقَالَ الْمُشْرِكُونَ ‏{‏نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ‏}‏ سُحِرْنَا وَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ‏.‏ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ قَالُوا قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ ‏{‏لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ‏:‏ ثنا هِشَامٌ، عَنْ عُمَرَ، عَنْ نَصْرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ لَوْ أَنِّي فَتَحْتُ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ تَعْرُجُ فِيهِ الْمَلَائِكَةُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، لَقَالَ الْمُشْرِكُونَ ‏{‏بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ‏}‏ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ قَالُوا ‏{‏لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ‏}‏‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ إِنَّمَا عُنِيَ بِذَلِكَ‏:‏ بَنُو آدَمَ‏.‏

وَمَعْنَى الْكَلَامِ عِنْدَهُمْ‏:‏ وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قَوْمِكَ يَا مُحَمَّدُ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا هُمْ فِيهِ يَعْرُجُونَ ‏{‏لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا‏}‏‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثنا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ ‏{‏وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ‏}‏ قَالَ قَتَادَةُ، كَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ‏:‏ لَوْ فُعِلَ هَذَا بِبَنِي آدَمَ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ أَيْ يَخْتَلِفُونَ ‏{‏لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ‏}‏‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ ‏{‏يَعْرُجُونَ‏}‏ فَإِنَّ مَعْنَاهُ‏:‏ يَرْقَوْنَ فِيهِ وَيَصْعَدُونَ، يُقَالُ مِنْهُ‏:‏ عَرَجَ يَعْرُجُ عُرُوجًا إِذَا رَقَى وَصَعِدَ، وَوَاحِدَةُ الْمَعَارِجِ‏:‏ مُعَرَجٌ وَمِعْرَاجٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ كَثِيرٍ‏:‏

إِلَـى حَسَـبٍ عَـوْدٍ بَنَـا الْمَـرْءَ قَبْلَهُ *** أبُـوهُ لَـهُ فِيـهِ مَعـارِجُ سُـلَّمِ

وَقَدْ حُكِيَ عُرِجَ يَعْرِجُ بِكَسْرِ الرَّاءِ فِي الِاسْتِقْبَالِ‏.‏ وَقَوْلُهُ ‏{‏لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ لَقَالَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ صِفَتَهُمْ‏:‏ مَا هَذَا بِحَقٍّ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا‏.‏

وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ ‏(‏سُكِّرَتْ‏)‏ فَقَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالْعِرَاقِ‏:‏ ‏(‏سُكِّرَتْ‏)‏ بِتَشْدِيدِ الْكَافِ، بِمَعْنَى‏:‏ غُشِيَتْ وَغُطِّيَتْ، هَكَذَا كَانَ يَقُولُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ فِيمَا ذُكِرَ لِي عَنْهُ‏.‏ وَذُكِرَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ ‏{‏لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنِي بِذَلِكَ الْحَرْثُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الْكِسَائِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ حَمْزَةَ، عَنْ شِبْلٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَرَأَهَا ‏{‏سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا‏}‏ خَفِيفَةً، وَذَهَبَ مُجَاهِدٌ فِي قِرَاءَتِهِ ذَلِكَ كَذَلِكَ إِلَى‏:‏ حُبِسَتْ أَبْصَارُنَا عَنِ الرُّؤْيَةِ وَالنَّظَرِ مِنْ سُكُورِ الرِّيحِ، وَذَلِكَ سُكُونُهَا وَرُكُودُهَا، يُقَالُ مِنْهُ‏:‏ سَكِرَتِ الرِّيحُ‏:‏ إِذَا سَكَنَتْ وَرَكَدَتْ‏.‏ وَقَدْ حُكِيَ عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ‏:‏ هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ سَكَّرَ الشَّرَابُ، وَأَنَّ مَعْنَاهُ‏:‏ قَدْ غَشَّى أَبْصَارَنَا السُّكْرُ‏.‏

وَأَمَّا أَهْلُ التَّأْوِيلِ، فَإِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ مَعْنَى ‏(‏سُكِّرَتْ‏)‏‏:‏ سُدَّتْ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثنا وَرْقَاءُ، وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ‏:‏ ثنا شَبَابَةُ، قَالَ‏:‏ ثنا وَرْقَاءُ، وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ‏:‏ ثنا شِبْلٌ، وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ‏:‏ ثنا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا‏}‏ قَالَ‏:‏ سُدَّتْ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ‏:‏ ثنا حَجَّاجٌ، يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي ابْنُ كَثِيرٍ قَالَ‏:‏ سُدَّتْ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا‏}‏ يَعْنِي‏:‏ سُدَّتْ، فَكَأَنَّ مُجَاهِدًا ذَهَبَ فِي قَوْلِهِ، وَتَأْوِيلِهِ ذَلِكَ بِمَعْنَى‏:‏ سُدَّتْ، إِلَى أَنَّهُ بِمَعْنَى‏:‏ مُنِعَتِ النَّظَرَ، كَمَا يُسْكَرُ الْمَاءُ فَيَمْنَعُ مِنَ الْجَرْيِ بِحَبْسِهِ فِي مَكَانٍ بِالسَّكَرِ الَّذِي يُسَكَّرُ بِهِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى سُكِّرَتْ‏:‏ أُخِذَتْ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ أُخِذَتْ أَبْصَارُنَا‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثني أَبِي، قَالَ‏:‏ ثني عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، إِنَّمَا أُخِذَ أَبْصَارُنَا، وَشُبِّهَ عَلَيْنَا، وَإِنَّمَا سُحِرْنَا‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ سُحِرَتْ أَبْصَارُنَا، يَقُولُ‏:‏ أُخِذَتْ أَبْصَارُنَا‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ‏:‏ ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَمَّادٍ، قَالَ‏:‏ ثنا شَيْبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ‏:‏ مَنْ قَرَأَ ‏(‏سُكِّرَتْ‏)‏ مُشَدَّدَةً‏:‏ يَعْنِي سُدَّتْ، وَمَنْ قَرَأَ ‏(‏سُكِّرَتْ‏)‏ مُخَفَّفَةً، فَإِنَّهُ يَعْنِي سُحِرَتْ، وَكَأَنَّ هَؤُلَاءِ وَجَّهُوا مَعْنَى قَوْلِهِ ‏(‏سُكِّرَتْ‏)‏ إِلَى أَنَّ أَبْصَارَهُمْ سُحِرَتْ، فَشُبِّهَ عَلَيْهِمْ مَا يُبْصِرُونَ، فَلَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ الصَّحِيحِ مِمَّا يَرَوْنَ وَغَيْرِهِ مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ‏:‏ سُكِّرَ عَلَى فُلَانٍ رَأْيُهُ‏:‏ إِذَا اخْتَلَطَ عَلَيْهِ رَأْيُهُ فِيمَا يُرِيدُ، فَلَمْ يَدْرِ الصَّوَابَ فِيهِ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِذَا عَزَمَ عَلَى الرَّأْيِ قَالُوا‏:‏ ذَهَبَ عَنْهُ التَّسْكِيرُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ هُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ السُّكْرِ، وَمَعْنَاهُ‏:‏ غُشِيَ عَلَى أَبْصَارِنَا فَلَا نُبْصِرُ، كَمَا يَفْعَلُ السُّكْرُ بِصَاحِبِهِ، فَذَلِكَ إِذَا دِيرَ بِهِ وَغُشِيَ بَصَرُهُ كَالسَّمَادِيرِ فَلَمْ يُبْصِرْ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا‏}‏ قَالَ‏:‏ سَكِرَتْ، السَّكْرَانُ الَّذِي لَا يَعْقِلُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ عَمِيَتْ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، عَنِ الْكَلْبِيِّ ‏(‏سُكِّرَتْ‏)‏ قَالَ‏:‏ عَمِيَتْ‏.‏

وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ عِنْدِي قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ أُخِذَتْ أَبْصَارُنَا وَسُحِرَتْ، فَلَا تُبْصِرُ الشَّيْءَ عَلَى مَا هُوَ بِهِ، وَذَهَبَ حَدُّ إِبْصَارِهَا، وَانْطَفَأَ نُورُهُ، كَمَا يُقَالُ لِلشَّيْءِ الْحَارِّ إِذَا ذَهَبَتْ فَوْرَتُهُ، وَسَكَنَ حَدُّ حَرِّهِ، قَدْ سَكِرَ يَسْكَرُ، قَالَ الْمُثَنَّى بْنُ جَنْدَلٍ الطَّهَوِيُّ‏:‏

جَـاءَ الشِّـتَاءُ وَاجْثَـأَلَّ الْقُـبَّرُ *** وَاسْـتَخْفَتِ الْأَفْعَـى وَكَـانَتْ تَظْهَـرُ

وَجَعَلَتْ عَيْنُ الْحَرُورِ تَسْكَرُ

أَيْ تَسْكُنُ وَتَذْهَبُ وَتَنْطَفِئُ، وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ‏:‏

قَبْـلَ انْصِـدَاعِ الفَجْـرِ والتَّهَجْـرِ *** وَخَـوْضِهِنَّ اللَّيـلَ حِـينَ يَسْـكُرُ

يَعْنِي‏:‏ حِينَ تَسْكُنُ فَوْرَتُهُ‏.‏ وَذُكِرَ عَنْ قَيْسٍ أَنَّهَا تَقُولُ‏:‏ سَكِرَتِ الرِّيحُ تَسْكَرُ سُكُورًا، بِمَعْنَى‏:‏ سَكَنَتْ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَنْهَا صَحِيحًا، فَإِنَّ مَعْنًى سُكِرَتْ وَسُكِّرَتْ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ مُتَقَارِبَانِ، غَيْرَ أَنَّ الْقِرَاءَةَ الَّتِي لَا أَسْتَجِيزُ غَيْرَهَا فِي الْقُرْآنِ ‏(‏سُكِّرَتْ‏)‏ بِالتَّشْدِيدِ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهَا، وَغَيْرُ جَائِزٍ خِلَافُهَا فِيمَا جَاءَتْ بِهِ مُجْمِعَةً عَلَيْهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏16‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا مُنَازِل لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَهِيَ كَوَاكِبٌ يَنْـزِلُهَا الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ‏{‏وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ بِالْكَوَاكِبِ لِمَنْ نَظَرَ إِلَيْهَا وَأَبْصَرَهَا‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثنا وَرْقَاءُ، وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ‏:‏ ثنا شَبَابَةُ، قَالَ‏:‏ ثنا وَرْقَاءُ، وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ‏:‏ ثنا شِبْلٌ، وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ‏:‏ ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ‏:‏ ثنا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا‏}‏ قَالَ‏:‏ كَوَاكِبَ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثنا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ ‏{‏وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا‏}‏ وَبُرُوجُهَا‏:‏ نُجُومُهَا‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏(‏بُرُوجًا‏)‏ قَالَ‏:‏ الْكَوَاكِبُ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏17- 18‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَحَفِظْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ لَعِينٍ قَدْ رَجَمَهُ اللَّهُ وَلَعَنَهُ ‏{‏إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ‏}‏ يَقُولُ لَكِنْ قَدْ يَسْتَرِقُ مِنَ الشَّيَاطِينِ السَّمْعَ مِمَّا يَحْدُثُ فِي السَّمَاءِ بَعْضِهَا، فَيَتْبَعَهُ شِهَابٌ مِنَ النَّارِ مُبِينٌ، يُبَيِّنُ أَثَرَهُ فِيهِ، إِمَّا بِإِخْبَالِهِ وَإِفْسَادِهِ، أَوْ بِإِحْرَاقِهِ‏.‏

وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ ‏{‏إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ‏}‏ هُوَ اسْتِثْنَاءٌ خَارِجٌ، كَمَا قَالَ‏:‏ مَا أَشْتَكِي إِلَّا خَيْرًا، يُرِيدُ‏:‏ لَكِنْ أَذْكُرُ خَيْرًا‏.‏ وَكَانَ يُنْكِرُ ذَلِكَ مِنْ قِيلِهِ بَعْضُهُمْ، وَيَقُولُ‏:‏ إِذَا كَانَتْ إِلَّا بِمَعْنَى لَكِنْ عَمِلَتْ عَمَلَ لَكِنْ، وَلَا يُحْتَاجُ إِلَى إِضْمَار أَذْكُرُ، وَيَقُولُ‏:‏ لَوِ احْتَاجَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ إِلَى إِضْمَارِ أَذْكُرُ احْتَاجَ قَوْلُ الْقَائِلِ‏:‏ قَامَ زَيْدٌ لَا عَمْرٌو إِلَى إِضْمَارِ أَذْكُرُ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ‏:‏ ثنا الْأَعْمَشُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ تَصْعَدُ الشَّيَاطِينُ أَفْوَاجًا تَسْتَرِقُ السَّمْعَ، قَالَ‏:‏ فَيَنْفَرِدُ الْمَارِدُ مِنْهَا فَيَعْلُو، فَيُرْمَى بِالشِّهَابِ، فَيُصِيبُ جَبْهَتَهُ أَوْ جَنْبَهُ، أَوْ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ مِنْهُ، فَيَلْتَهِبُ فَيَأْتِي أَصْحَابَهُ وَهُوَ يَلْتَهِبُ، فَيَقُولُ‏:‏ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْأَمْرِ كَذَا وَكَذَا، قَالَ‏:‏ فَيَذْهَبُ أُولَئِكَ إِلَى إِخْوَانِهِمْ مِنَ الْكَهَنَةِ، فَيَزِيدُونَ عَلَيْهِ أَضْعَافَهُ مِنَ الْكَذِبِ، فَيُخْبِرُونَهُمْ بِهِ، فَإِذَا رَأَوْا شَيْئًا مِمَّا قَالُوا قَدْ كَانَ صَدَّقُوهُمْ بِمَا جَاءُوهُمْ بِهِ مِنَ الْكَذِبِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثني أَبِي، قَالَ‏:‏ ثني عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ‏}‏ قَالَ‏:‏ أَرَادَ أَنْ يَخْطِفَ السَّمْعَ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ ‏{‏إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثنا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ ‏{‏إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ‏}‏ وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِهِ ‏{‏إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلَهُ ‏{‏إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ‏}‏ قَالَ‏:‏ خَطِفَ الْخَطْفَةَ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ‏}‏ هُوَ كَقَوْلِهِ ‏{‏إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ‏}‏ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ‏:‏ إِنَّ الشُّهُبَ لَا تَقْتُلُ وَلَكِنْ تَحْرِقُ وَتَخْبِلُ وَتَجْرَحُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَقْتُلَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ‏{‏مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ الرَّجِيمُ‏:‏ الْمَلْعُونُ، قَالَ‏:‏ وَقَالَ الْقَاسِمُ عَنِ الْكِسَائِيِّ‏:‏ إِنْ قَالَ الرَّجْمُ فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ‏:‏ الشَّتْمُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏19‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ‏}‏‏.‏

يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ ‏{‏وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا‏}‏ وَالْأَرْضَ دَحَوْنَاهَا فَبَسَطْنَاهَا ‏{‏وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَأَلْقَيْنَا فِي ظُهُورِهَا رَوَاسِيَ، يَعْنِي جِبَالًا ثَابِتَةً‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثنا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ ‏{‏وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا‏}‏‏.‏ وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى ‏{‏وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا‏}‏ وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ أُمَّ الْقُرَى مَكَّةَ، مِنْهَا دُحِيَتِ الْأَرْضُ، قَوْلُهُ ‏{‏وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ‏}‏ رَوَاسِيهَا‏:‏ جِبَالُهَا‏.‏ يَقُولُ‏:‏ وَأَلْقَيْنَا فِي ظُهُورِهَا رَوَاسِيَ، يَعْنِي جِبَالًا ثَابِتَةً، وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الرُّسُوِّ فِيمَا مَضَى بِشَوَاهِدِهِ الْمُغْنِيَةِ عَنْ إِعَادَتِهِ‏.‏ وَقَوْلُهُ ‏{‏وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَأَنْبَتْنَا فِي الْأَرْضِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ‏:‏ يَقُولُ‏:‏ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مُقَدَّرٍ، وَبِحَدٍّ مَعْلُومٍ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ ‏{‏وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ مَعْلُومٍ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبِي، قَالَ‏:‏ ثني عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ ‏{‏وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ مَعْلُومٌ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ‏:‏ ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، أَوْ عَنْ أَبِي مَالِكٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ بِقَدَرٍ‏.‏

حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ أَوْ عَنْ أَبِي مَالِكٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا الْحُمَّانِيُّ، قَالَ‏:‏ ثنا شَرِيكٌ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ ‏{‏مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ بِقَدَرٍ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عَلِيٌّ، يَعْنِي ابْنَ الْجَعْدِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ ‏{‏مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ بِقَدَرٍ‏.‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ‏:‏ قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ‏:‏ ثنا سُفْيَانُ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ‏:‏ بِقَدَرٍ‏.‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ‏:‏ ثنا سُفْيَانُ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ‏{‏مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ مَعْلُومٌ‏.‏

حَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ‏:‏ ثنا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ وَسَأَلَهُ أَبُو مَخْزُومٍ عَنْ قَوْلِهِ ‏{‏مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَقْدُورٍ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ‏:‏ ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الْحَكَمَ، وَسَأَلَهُ أَبُو عُرْوَةَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏{‏مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَقْدُورٍ، هَكَذَا قَالَ الْحَسَنُ، وَسَأَلَهُ أَبُو عُرْوَةَ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحَسَنُ قَالَ‏:‏ ثنا وَرْقَاءُ، وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ‏:‏ ثنا شَبَابَةُ، قَالَ‏:‏ ثنا وَرْقَاءُ وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ‏:‏ ثنا شِبْلٌ، وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ‏:‏ ثنا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ ‏{‏مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ مَقْدُورٌ بِقَدَرٍ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ مَقْدُورٌ بِقَدْرٍ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا عَلِيُّ بْنُ الْهَيْثَمِ، قَالَ‏:‏ ثنا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ‏:‏ مَقْدُورٌ بِقَدَرٍ‏.‏

حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا عَلِيُّ بْنُ الْهَيْثَمِ، قَالَ‏:‏ ثنا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ‏{‏مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ بِقَدَرٍ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثنا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ ‏{‏وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ مَعْلُومٍ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ ثنا عُبَيْدٍ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ ‏{‏مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ مَعْلُومٌ‏.‏

وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ وَأَنْبَتْنَا فِي الْجِبَالِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ‏:‏ يَعْنِي مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تُوزَنُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْأَشْيَاءُ الَّتِي تُوزَنُ‏.‏

وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ عِنْدَنَا بِالصَّوَابِ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ عَلَيْهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏20‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏وَجَعَلْنَا لَكُمْ‏}‏ أَيُّهَا النَّاسُ فِي الْأَرْضِ ‏(‏مَعَايِشَ‏)‏، وَهِيَ جُمَعُ مَعِيشَةٍ ‏{‏وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ‏}‏‏.‏

اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنِيِّ فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ‏}‏ فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ عَنَى بِهِ الدَّوَابَّ وَالْأَنْعَامَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ ثنا وَرْقَاءُ، وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ‏:‏ ثنا شَبَابَةُ، قَالَ‏:‏ ثنا وَرْقَاءُ، وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ‏:‏ ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ‏:‏ ثنا عَبْدُ اللَّهِ جَمِيعًا، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ‏}‏ الدَّوَابُّ وَالْأَنْعَامُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ عَنَى بِذَلِكَ‏:‏ الْوَحْشُ خَاصَّةً‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ‏:‏ ثنا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ‏{‏وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْوَحْشُ، فَتَأْوِيلُ ‏"‏مَنْ‏"‏ فِي‏:‏ ‏{‏وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ‏}‏ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ بِمَعْنَى مَا، وَذَلِكَ قَلِيلٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ‏.‏

وَأَوْلَى ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، وَأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ‏:‏ عَنَى بِقَوْلِهِ ‏{‏وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ‏}‏ مِنَ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ‏.‏ فَمَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ‏.‏ وَالْعَبِيدَ وَالْإِمَاءَ وَالدَّوَابَّ وَالْأَنْعَامَ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، حَسُنَ أَنْ تُوضَعَ حِينَئِذٍ مَكَانَ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ وَالدَّوَابِّ ‏"‏مِنْ‏"‏، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ تَفْعَلُ ذَلِكَ إِذَا أَرَادَتِ الْخَبَرَ عَنِ الْبَهَائِمِ مَعَهَا بَنُو آدَمَ‏.‏ وَهَذَا التَّأْوِيلُ عَلَى مَا قُلْنَاهُ وَصَرَفْنَا إِلَيْهِ مَعْنَى الْكَلَامِ إِذَا كَانَتْ ‏"‏مِنْ‏"‏ فِي مَوْضِعٍ نَصْبٍ عَطْفًا بِهِ عَلَى مَعَايِشَ بِمَعْنَى‏:‏ جَعَلَنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ، وَجَعْلنَا لَكُمْ فِيهَا مَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ إِنَّ ‏"‏مِنْ‏"‏ فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ عَطْفًا بِهِ عَلَى الْكَافِ وَالْمِيمِ فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَجَعَلْنَا لَكُمْ‏}‏ بِمَعْنَى‏:‏ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ ‏{‏وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ‏}‏ وَأَحْسَبُ أَنَّ مَنْصُورًا فِي قَوْلِهِ‏:‏ هُوَ الْوَحْشُ قَصَدَ هَذَا الْمَعْنَى وَإِيَّاهُ أَرَادَ، وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ لَهُ وَجْهٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، فَبِعِيدٌ قَلِيلٌ، لِأَنَّهَا لَا تَكَادُ تَظَّاهَرُ عَلَى مَعْنًى فِي حَالِ الْخَفْضِ، وَرُبَّمَا جَاءَ فِي شِعْرِ بَعْضِهِمْ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ، كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏

هَـلَّا سـألْتَ بـذِي الْجَمَـاجِمِ عَنْهُـمُ *** وَأَبِـي نُعَيْـمٍ ذِي اللِّـوَاءِ الْمُخَـرَّقِ

فَرَدَّ أَبَا نُعَيْمٍ عَلَى الْهَاءِ وَالْمِيمِ فِي عَنْهُمْ، وَقَدْ بَيَّنْتُ قُبْحَ ذَلِكَ فِي كَلَامِهِمْ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏21‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَـزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَمَا مِنْ شَيْءٍ مِنَ الْأَمْطَارِ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ، وَمَا نُنَـزِّلُهُ إِلَّا بِقَدْرٍ لِكُلِّ أَرْضٍ مَعْلُومٍ عِنْدَنَا حَدُّهُ وَمَبْلَغُهُ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثنا ابْنُ إِدْرِيسٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ‏:‏ مَا مِنْ أَرْضٍ أَمْطَرُ مِنْ أَرْضٍ، وَلَكِنَّ اللَّهَ يُقَدِّرُهُ فِي الْأَرْضِ، ثُمَّ قَرَأَ ‏{‏وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَـزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثنا جَرِيرٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ‏:‏ مَا مِنْ عَامٍ بِأَمْطَرَ مِنْ عَامٍ، وَلَكِنَّ اللَّهَ يَصْرِفُهُ عَمَّنْ يَشَاءُ، ثُمَّ قَالَ ‏{‏وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَـزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ‏:‏ ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَهْدِيٍّ الْمِصِّيصِيُّ، قَالَ‏:‏ ثنا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ‏:‏ مَا مِنْ عَامٍ بِأَمْطَرَ مِنْ عَامٍ، وَلَكِنَّ اللَّهَ يُقَسِّمُهُ حَيْثُ شَاءَ، عَامًا هَاهُنَا وَعَامًا هَاهُنَا، ثُمَّ قَرَأَ ‏{‏وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَـزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثني حَجَّاجٌ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ ‏{‏وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْمَطَرُ خَاصَّةً‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَمَا نُنَـزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ مَا مِنْ عَامٍ بِأَكْثَرَ مَطَرًا مِنْ عَامٍ وَلَا أَقَلَّ، وَلَكِنَّهُ يُمْطَرُ قَوْمٌ، وَيُحْرَمُ آخَرُونَ، وَرُبَّمَا كَانَ فِي الْبَحْرِ، قَالَ‏:‏ وَبَلَغَنَا أَنَّهُ يَنْـزِلُ مَعَ الْمَطَرِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ وَلَدِ إِبْلِيسَ وَوَلَدِ آدَمَ يُحْصُونَ كُلَّ قَطْرَةٍ حَيْثُ تَقَعُ وَمَا تُنْبِتُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏22‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْـزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ‏}‏‏.‏

اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ الْقُرَّاءِ ‏{‏وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ‏}‏ وَقَرَأَهُ بَعْضُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ ‏{‏وَأَرْسَلْنَا الرِّيحَ لَوَاقِحَ‏}‏ فَوَحَّدَ الرِّيحَ وَهِيَ مَوْصُوفَةٌ بِالْجَمْعِ‏:‏ أَعْنِي بِقَوْلِهِ‏:‏ لَوَاقِحَ‏.‏ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَعْنًى ذَلِكَ‏:‏ أَنَّ الرِّيحَ وَإِنْ كَانَ لَفْظُهَا وَاحِدًا، فَمَعْنَاهَا الْجَمْعُ، لِأَنَّهُ يُقَالُ‏:‏ جَاءَتِ الرِّيحُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَهَبَّتْ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، فَقِيلَ‏:‏ لَوَاقِحُ لِذَلِكَ، فَيَكُونُ مَعْنَى جَمْعِهِمْ نَعْتَهَا، وَهِيَ فِي اللَّفْظِ وَاحِدَةٌ مَعْنَى قَوْلِهِمْ‏:‏ أَرْضٌ سَبَاسِبُ، وَأَرْضٌ أَغْفَالُ، وَثَوْبٌ أَخْلَاقُ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ‏:‏

جَـاءَ الشِّـتاءُ وَقَمِيصِـي أَخْـلَاقُ *** شَـرَاذِمٌ يضْحَـكُ مِنْـهُ التَّـوَّاقْ

وَكَذَلِكَ تَفْعَلُ الْعَرَبُ فِي كُلِّ شَيْءٍ اتَّسَعَ‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ وَصْفِ الرِّيَاحِ بِاللَّقْحِ، وَإِنَّمَا هِيَ مُلَقِّحَةٌ لَا لَاقِحَةٌ، وَذَلِكَ أَنَّهَا تُلَقِّحُ السَّحَابَ وَالشَّجَرَ، وَإِنَّمَا تُوصَفُ بِاللُّقَحِ الْمَلْقُوحَةِ لَا الْمُلَقَّحِ، كَمَا يُقَالُ‏:‏ نَاقَةٌ لَاقِحٌ‏.‏ وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ يَقُولُ‏:‏ قِيلَ‏:‏ الرِّيَاحُ لَوَاقِحُ، فَجَعَلَهَا عَلَى لَاقِحٍ، كَأَنَّ الرِّيَاحَ لُقِّحَتْ، لِأَنَّ فِيهَا خَيْرًا فَقَدْ لُقِّحَتْ بِخَيْرٍ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ الرِّيَاحُ تُلَقِّحُ السَّحَابَ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى، لِأَنَّهَا إِذَا أَنْشَأَتْهُ وَفِيهَا خَيْرٌ وَصَلَ ذَلِكَ إِلَيْهِ وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ يَقُولُ‏:‏ فِي ذَلِكَ مَعْنَيَانِ‏:‏ أَحَدُهُمَا أَنْ يَجْعَلَ الرِّيحَ هِيَ الَّتِي تُلَقِّحُ بِمُرُورِهَا عَلَى التُّرَابِ وَالْمَاءِ فَيَكُونُ فِيهَا اللُّقَاحُ، فَيُقَالُ‏:‏ رِيحٌ لَاقِحٌ، كَمَا يُقَالُ‏:‏ نَاقَةٌ لَاقِحٌ، قَالَ‏:‏ وَيَشْهَدُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ وَصَفَ رِيحَ الْعَذَابِ فَقَالَ ‏{‏عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ‏}‏ فَجَعَلَهَا عَقِيمًا إِذَا لَمْ تُلَقِّحْ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ أَنْ يَكُونَ وَصْفُهَا بِاللَّقْحِ، وَإِنْ كَانَتْ تُلَقَّحُ، كَمَا قِيلَ‏:‏ لَيْلٌ نَائِمٌ وَالنَّوْمُ فِيهِ، وَسِرٌّ كَاتِمٌ، وَكَمَا قِيلَ‏:‏ الْمَبْرُوزُ وَالْمَخْتُومُ، فَجَعَلَ مُبَرْوَزًا، وَلَمْ يَقُلْ مُبْرِزًا بَنَاهُ عَلَى غَيْرِ فِعْلِهِ، أَيْ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِهِ، فَجَازَ مَفْعُولٌ لِمُفْعِلٍ، كَمَا جَازَ فَاعِلٌ لِمَفْعُولٍ، إِذَا لَمْ يَرُدُّ الْبِنَاءَ عَلَى الْفِعْلِ، كَمَا قِيلَ‏:‏ مَاءٌ دَافِقٌ‏.‏

وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي‏:‏ أَنَّ الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ كَمَا وَصَفَهَا بِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مِنْ صِفَتِهَا، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ تُلَقِّحُ السَّحَابَ وَالْأَشْجَارَ، فَهِيَ لَاقِحَةٌ مُلَقَّحَةٌ، وَلَقْحُهَا‏:‏ حَمْلُهَا الْمَاءَ وَإِلْقَاحُهَا السَّحَابَ وَالشَّجَرَ‏:‏ عَمَلُهَا فِيهِ، وَذَلِكَ كَمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثنا الْمُحَارِبِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ الْمُنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَكَنٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ‏}‏ قَالَ‏:‏ يُرْسِلُ اللَّهُ الرِّيَاحَ فَتَحْمِلُ الْمَاءَ، فَتُجْرِيَ السَّحَابُ، فَتَدِرُّ كَمَا تَدِرُّ اللَّقْحَةُ ثُمَّ تُمْطِرُ‏.‏

حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمِنْهَالِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَكَنٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ‏{‏وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ‏}‏ قَالَ‏:‏ يَبْعَثُ اللَّهُ الرِّيحَ فَتُلَقِّحُ السَّحَابَ، ثُمَّ تُمَرِّيهِ فَتَدِرُّ كَمَا تَدِرُّ اللَّقْحَةُ، ثُمَّ تُمْطِرُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ‏:‏ ثنا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِالْأَعْمَشِ، عَنِ الْمُنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ قَيْسِ بْنِ السَّكَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ‏}‏ قَالَ‏:‏ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ، فَتَحْمِلُ الْمَاءَ مِنَ السَّحَابِ، ثُمَّ تُمَرِّي السَّحَابَ، فَتَدِرُّ كَمَا تَدِرُّ اللَّقْحَةُ، فَقَدْ بَيَّنَ عَبْدُ اللَّهِ بِقَوْلِهِ‏:‏ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتَحْمِلُ الْمَاءَ، أَنَّهَا هِيَ اللَّاقِحَةُ بِحَمْلِهَا الْمَاءَ وَإِنْ كَانَتْ مُلَقَّحَةً بِإِلْقَاحِهَا السَّحَابَ وَالشَّجَرَ‏.‏

وَأَمَّا جَمَاعَةٌ أُخَرُ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ، فَإِنَّهُمْ وَجَّهُوا وَصْفَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ إِيَّاهَا بِأَنَّهَا لِوَاقِحَ، إِلَى أَنَّهُ بِمَعْنَى مُلَقَّحَةً، وَأَنَّ اللَّوَاقِحَ وُضِعَتْ مَوْضِعَ مَلَاقِحَ، كَمَا قَالَ نَهْشَلُ بْنُ حَرِيٍّ‏:‏

لِيَبْـكِ يَزِيـدُ بَـائِسٌ لِضَرَاعَـةٍ *** وَأَشْـعَثُ مِمَّـنْ طَوَّحَتْـهُ الطَّـوَائِحُ

يُرِيدُ الْمَطَاوِحَ، وَكَمَا قَالَ النَّابِغَةُ‏:‏

كِـلِينِي لِهَـمٍّ يَـا أُمَيْمَـةَ نـاصِبِ *** ولَيْـلٍ أُقَاسِـيهِ بَطـيءِ الْكَـوَاكِبِ

بِمَعْنَى‏:‏ مُنْصِبِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ‏:‏ ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ‏}‏ قَالَ‏:‏ تُلَقِّحُ السَّحَابَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ‏:‏ ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، مَثَلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ‏:‏ ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ‏:‏ ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَوْلَهُ ‏{‏وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ‏}‏ قَالَ‏:‏ لَوَاقِحُ لِلشَّجَرِ، قُلْتُ‏:‏ أَوْ لِلسَّحَابِ، قَالَ‏:‏ وَلِلسَّحَابِ، تُمَرِّيهِ حَتَّى يُمْطِرَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ‏:‏ ثنا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ‏:‏ يَبْعَثُ اللَّهُ الْمُبَشِّرَةَ فَتَقُمُّ الْأَرْضَ قَمَّا، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ الْمُثِيرَةَ فَتُثِيرُ السَّحَابَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ الْمُؤَلِّفَةَ فَتُؤَلِّفُ السَّحَابَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ اللَّوَاقِحَ فَتُلَقِّحُ الشَّجَرُ، ثُمَّ تَلَا عُبَيْدٌ ‏{‏وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثنا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ ‏{‏وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ لَوَاقِحُ السَّحَابِ، وَإِنَّ مِنَ الرِّيحِ عَذَابًا، وَإِنَّ مِنْهَا رَحْمَةً‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏(‏لَوَاقِحَ‏)‏ قَالَ‏:‏ تُلَقِّحُ الْمَاءَ فِي السَّحَابِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏(‏لَوَاقِحَ‏)‏ قَالَ‏:‏ تُلَقِّحُ الشَّجَرَ وَتُمَرِّي السَّحَابَ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ‏}‏ الرِّيَاحُ يَبْعَثُهَا اللَّهُ عَلَى السَّحَابِ فَتُلَقِّحُهُ، فَيَمْتَلِئُ مَاءً‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، قَالَ‏:‏ ثنا عِيسَى بْنُ مَيْمُونٍ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو الْمُهَزَّمِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ‏:‏ «الرِّيحُ الْجَنُوبُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَهِيَ الرِّيحُ اللَّوَاقِحُ، وَهِيَ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ وَفِيهَا مَنَافِعُ لِلنَّاس»‏.‏

حَدَّثَنِي أَبُو الْجُمَاهِرِ الْحِمْصِيُّ أَوِ الْحَضْرَمِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ‏:‏ ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُوسَى، قَالَ‏:‏ ثنا عِيسَى بْنُ مَيْمُونٍ أَبُو عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي الْمُهَزَّمِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ سَوَاءً‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏فَأَنْـزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ فَأَنْـزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَطَرًا فَأَسْقَيْنَاكُمْ ذَلِكَ الْمَطَرَ لِشُرْبِ أَرْضِكُمْ وَمَوَاشِيكُمْ‏.‏ وَلَوْ كَانَ مَعْنَاهُ‏:‏ أَنْـزَلْنَاهُ لِتَشْرَبُوهُ، لَقِيلَ‏:‏ فَسَقَيْنَاكُمُوهُ‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ إِذَا سَقَتِ الرَّجُلَ مَاءَ شُرْبِهِ أَوْ لَبَنًا أَوْ غَيْرَهُ‏:‏ سَقَيْتُهُ بِغَيْرِ أَلْفٍ إِذَا كَانَ لِسَقْيهِ، وَإِذَا جَعَلُوا لَهُ مَاءً لِشُرْبِ أَرْضِهِ أَوْ مَاشِيَتِهِ، قَالُوا‏:‏ أَسْقَيْتُهُ وَأَسْقَيْتُ أَرْضَهُ وَمَاشِيَتَهُ، وَكَذَلِكَ إِذَا اسْتَسْقَتْ لَهُ، قَالُوا أَسْقَيْتُهُ وَاسْتَسْقَيْتُهُ، كَمَا قَالَ ذُو الرُّمَّةِ‏:‏

وَقَفْـتُ عـلى رَسْـمٍ لِمَيَّـةَ نـاقَتِي *** فَمَـا زِلْـتُ أبْكـي عِنْـدَهُ وأُخاطِبُـهْ

وَأَسْـقِيهِ حَـتَّى كَـادَ مِمَّـا أَبُثُّـهُ *** تُكَـلِّمُني أَحْجَـارُهُ وَمَلاعِبُـهْ

وَكَذَلِكَ إِذَا وَهَبْتَ لِرَجُلٍ إِهَابًا لِيَجْعَلَهُ سِقَاءً، قُلْتَ‏:‏ أَسْقَيْتُهُ إِيَّاهُ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَلَسْتُمْ بِخَازِنِي الْمَاءِ الَّذِي أَنْـزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ‏.‏ فَتَمْنَعُوهُ مَنْ أَسْقِيهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ بِيَدَيَّ وَإِلَيَّ، أَسْقِيَهُ مَنْ أَشَاءُ وَأَمْنَعُهُ مَنْ أَشَاءُ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ سُفْيَانُ‏:‏ ‏{‏وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ بِمَانِعِينَ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏23- 25‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي‏}‏ مَنْ كَانَ مَيْتًا إِذَا أَرَدْنَا ‏(‏وَنُمِيتُ‏)‏ مَنْ كَانَ حَيًّا إِذَا شِئْنَا ‏{‏وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَنَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا بِأَنْ نُمِيتَ جَمِيعَهُمْ، فَلَا يَبْقَى حَيُّ سِوَانَا إِذَا جَاءَ ذَلِكَ الْأَجَلُ‏.‏ وَقَوْلُهُ ‏{‏وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ‏}‏ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ وَلَقَدْ عَلِمْنَا مَنْ مَضَى مِنَ الْأُمَمِ، فَتَقَدَّمَ هَلَاكُهُمْ، وَمَنْ قَدْ خُلِقَ وَهُوَ حَيٌّ، وَمَنْ لَمْ يُخْلَقْ بَعْدُ مِمَّنْ سَيُخْلَقُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ‏:‏ ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ ‏{‏وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْمُسْتَقْدِمُونَ‏:‏ مَنْ قَدْ خَلَقَ وَمَنْ خَلَا مِنَ الْأُمَمِ، وَالْمُسْتَأْخِرُونَ‏:‏ مَنْ لَمْ يَخْلُقْ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحَكَمُ، قَالَ‏:‏ ثنا عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ هُمْ خَلْقُ اللَّهِ كُلُّهُمْ، قَدْ عَلِمَ مَنْ خَلَقَ مِنْهُمْ إِلَى الْيَوْمِ، وَقَدْ عَلِمَ مَنْ هُوَ خَالِقُهُ بَعْدَ الْيَوْمِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ‏.‏ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ فَفَرَغَ مِنْهُمْ، فَالْمُسْتَقْدِمُونَ‏:‏ مَنْ خَرَجَ مِنَ الْخَلْقِ، وَالْمُسْتَأْخِرُونَ‏:‏ مَنْ بَقِيَ فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ لَمْ يَخْرُجْ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مَعْشَرٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي أَبُو مَعْشَرٍ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ عَوْنَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَتَبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ يُذَاكِرُ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ ‏{‏وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ‏}‏ فَقَالَ عَوْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَتَبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ‏:‏ خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ الْمُقَدَّمُ، وَشَرُّ صُفُوفِ الرِّجَالِ الْمُؤَخَّرُ، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ الْمُؤَخَّرُ، وَشَرُّ صُفُوفِ النِّسَاءِ الْمُقَدَّمُ، فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ‏:‏ لَيْسَ هَكَذَا، وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ‏:‏ الْمَيِّتُ وَالْمَقْتُولُ، وَالْمُسْتَأْخِرِينَ‏:‏ مَنْ يَلْحَقُ بِهِمْ مِنْ بَعْدُ، وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ، إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ، فَقَالَ عَوْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ‏:‏ وَفَّقَكَ اللَّهُ وَجَزَاكَ خَيْرًا‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثنا الْمُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ‏:‏ قَالَ قَتَادَةُ‏:‏ الْمُسْتَقْدِمِينَ‏:‏ مَنْ مَضَى، وَالْمُسْتَأْخِرِينَ‏:‏ مَنْ بَقِيَ فِي أَصْلَابِ الرِّجَالُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ‏:‏ ثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو الْأَحْوَصِ، قَالَ‏:‏ ثنا سَعِيدُ بْنُ مَسْرُوقٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ وَخُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ‏}‏ قَالَا مَنْ مَاتَ وَمَنْ بَقِيَ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثنا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ ‏{‏وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ‏:‏ آدَمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ مَضَى مِنْ ذُرِّيَّتِهِ ‏{‏وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ‏}‏‏:‏ مَنْ بَقِيَ فِي أَصْلَابِ الرِّجَالُ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْمُسْتَقْدِمُونَ آدَمُ وَمَنْ بَعْدَهُ، حَتَّى نَـزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ‏:‏ وَالْمُسْتَأْخِرُونَ‏:‏ قَالَ‏:‏ كُلُّ مَنْ كَانَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ أَظُنُّهُ أَنَا قَالَ‏:‏ مَا لَمْ يُخْلَقْ وَمَا هُوَ مَخْلُوقٌ‏.‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ‏:‏ ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ‏:‏ الْمُسْتَقْدِمُونَ‏:‏ مَا خَرَجَ مِنْ أَصْلَابِ الرِّجَالِ، وَالْمُسْتَأْخِرُونَ‏:‏ مَا لَمْ يَخْرُجْ‏.‏ ثُمَّ قَرَأَ ‏{‏وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ‏}‏‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ عَنَى بِالْمُسْتَقْدِمِينَ‏:‏ الَّذِينَ قَدْ هَلَكُوا، وَالْمُسْتَأْخِرِينَ‏:‏ الْأَحْيَاءُ الَّذِينَ لَمْ يَهْلَكُوا‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثني أَبِي، قَالَ‏:‏ ثني عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ ‏{‏وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ‏}‏ يَعْنِي بِالْمُسْتَقْدِمِينَ‏:‏ مَنْ مَاتَ، وَيَعْنِي بِالْمُسْتَأْخِرِينَ‏:‏ مَنْ هُوَ حَيٌّ لَمْ يَمُتْ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ‏}‏ يَعْنِي الْأَمْوَاتَ مِنْكُمْ ‏{‏وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ‏}‏ بَقِيَّتَهُمْ، وَهُمُ الْأَحْيَاءُ، يَقُولُ‏:‏ عَلِمْنَا مَنْ مَاتَ وَمَنْ بَقِيَ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْمُسْتَقْدِمُونَ مِنْكُمْ‏:‏ الَّذِينَ مَضَوْا فِي أَوَّلِ الْأُمَمِ، وَالْمُسْتَأْخِرُونَ‏:‏ الْبَاقُونَ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ مَعْنَاهُ‏:‏ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ فِي أَوَّلِ الْخَلْقِ وَالْمُسْتَأْخِرِينَ فِي آخِرِهِمْ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى‏:‏ قَالَ‏:‏ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ‏:‏ ثنا دَاوُد، عَنْ عَامِرٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ‏{‏وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ‏}‏ قَالَ أَوَّلَ الْخَلْقِ وَآخِرَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ‏}‏‏:‏ مَا اسْتَقْدَمَ فِي أَوَّلِ الْخَلْقِ، وَمَا اسْتَأْخَرَ فِي آخِرِ الْخَلْقِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عَامِرٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ فِي الْعُصُرِ، وَالْمُسْتَأْخِرِينَ مِنْكُمْ فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ، وَأَرْحَامِ النِّسَاءِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَ الْأُمَمِ، وَالْمُسْتَأْخِرِينَ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثنا وَرْقَاءُ، وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ‏:‏ ثنا شَبَابَةُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا وَرْقَاءُ، وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ‏:‏ ثنا شِبْلٌ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ، قَالَ‏:‏ الْقُرُونُ الْأُوَلُ، وَالْمُسْتَأْخِرِينَ‏:‏ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ‏:‏ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثني عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْمُسْتَقْدِمُونَ‏:‏ مَا مَضَى مِنَ الْأُمَمِ، وَالْمُسْتَأْخِرُونَ‏:‏ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِنَحْوِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ مُجَاهِدٍ بِنَحْوِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ قَيْسًا‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ مَعْنَاهُ‏:‏ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ فِي الْخَيْرِ، وَالْمُسْتَأْخِرِينَ عَنْهُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ‏:‏ ثنا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ كَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ‏:‏ الْمُسْتَقْدِمُونَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَالْمُسْتَأْخِرُونَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ عِبَادِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ‏:‏ الْمُسْتَقْدِمِينَ فِي الْخَيْرِ، وَالْمُسْتَأْخِرِينَ‏:‏ يَقُولُ‏:‏ الْمُبْطِئِينَ عَنْهُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ فِي الصُّفُوفِ فِي الصَّلَاةِ، وَالْمُسْتَأْخِرِينَ فِيهَا بِسَبَبِ النِّسَاءِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثنا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَجُلٍ أَخْبَرَنَ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ كَانَ أُنَاسٌ يَسْتَأْخِرُونَ فِي الصُّفُوفِ مِنْ أَجْلِ النِّسَاءِ، قَالَ‏:‏ فَأَنْـزَلَ اللَّهُ ‏{‏وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ مَالِكٍ، قَالَ سَمِعْتُ أَبَا الْجَوْزَاءِ يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ ‏{‏وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ فِي الصُّفُوفِ فِي الصَّلَاةِ وَالْمُسْتَأْخِرِينَ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْحَرَسِيُّ، قَالَ‏:‏ ثنا نُوحُ بْنُ قَيْسٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عَمْرُو بْنُ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ كَانَتْ تُصَلِّي خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةٌ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ لَا وَاللَّهِ مَا إِنْ رَأَيْتُ مِثْلَهَا قَطُّ، فَكَانَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ إِذَا صَلَّوْا اسْتَقْدَمُوا، وَبَعْضٌ يَسْتَأْخِرُونَ، فَإِذَا سَجَدُوا، نَظَرُوا إِلَيْهَا مِنْ تَحْتِ أَيْدِيهِمْ، فَأَنْـزَلَ اللَّهُ ‏{‏وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا نُوحُ بْنُ قَيْسٍ، وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثنا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ‏:‏ ثنا نُوحُ بْنُ قَيْسٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ كَانَتْ تُصَلِّي خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةٌ حَسْنَاءُ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ، فَكَانَ بَعْضُ النَّاسِ يَسْتَقْدِمُ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ لِئَلَّا يَرَاهَا، وَيَسْتَأْخِرُ بَعْضُهُمْ حَتَّى يَكُونَ فِي الصَّفِّ الْمُؤَخَّرِ، فَإِذَا رَكَعَ نَظَرَ مِنْ تَحْتِ إِبِطَيْهِ فِي الصَّفِّ، فَأَنْـزَلَ اللَّهُ فِي شَأْنِهَا ‏{‏وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ عِنْدِي فِي ذَلِكَ بِالصِّحَّةِ قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْأَمْوَاتَ مِنْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ فَتَقَدَّمَ مَوْتُهُ، وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ الَّذِينَ اسْتَأْخَرَ مَوْتُهُمْ مِمَّنْ هُوَ حَيٌّ وَمَنْ هُوَ حَادِثٌ مِنْكُمْ مِمَّنْ لَمْ يَحْدُثْ بَعْدُ، لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهُ مِنَ الْكَلَامِ، وَهُوَ قَوْلُهُ ‏{‏وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ‏}‏ وَمَا بَعْدَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ ‏{‏وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ‏}‏ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ، إِذْ كَانَ بَيْنَ هَذَيْنَ الْخَبِرَيْنِ، وَلَمْ يَجْرِ قَبْلَ ذَلِكَ مِنَ الْكَلَامِ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ، وَلَا جَاءَ بَعْدُ‏.‏ وَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ نَـزَلَتْ فِي شَأْنِ الْمُسْتَقْدِمِينَ فِي الصَّفِّ لِشَأْنِ النِّسَاءِ وَالْمُسْتَأْخِرِينَ فِيهِ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَمَّ بِالْمَعْنَى الْمُرَادِ مِنْهُ جَمِيعَ الْخَلْقِ، فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَهُمْ‏:‏ قَدْ عَلِمْنَا مَا مَضَى مِنَ الْخَلْقِ وَأَحْصَيْنَاهُمْ، وَمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، وَمَنْ هُوَ حَيٌّ مِنْكُمْ، وَمَنْ هُوَ حَادِثُ بَعْدَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ، وَأَعْمَالَ جَمِيعِكُمْ خَيْرَهَا وَشَرَّهَا، وَأَحْصَيْنَا جَمِيعَ ذَلِكَ وَنَحْنُ نَحْشُرُ جَمِيعَهُمْ، فَنُجَازِي كُلًّا بِأَعْمَالِهِ، إِنْ خَيْرًا فَخَيْرًا وَإِنْ شَرًّا فَشَرًّا‏.‏ فَيَكُونُ ذَلِكَ تَهْدِيدًا وَوَعِيدًا لِلْمُسْتَأْخِرِينَ فِي الصُّفُوفِ لِشَأْنِ النِّسَاءِ وَلِكُلِّ مَنْ تَعَدَّى حَدَّ اللَّهِ وَعَمِلَ بِغَيْرِ مَا أَذِنَ لَهُ بِهِ، وَوَعْدًا لِمَنْ تَقَدَّمَ فِي الصُّفُوفِ لِسَبَبِ النِّسَاءِ، وَسَارَعَ إِلَى مَحَبَّةِ اللَّهِ وَرِضْوَانِهِ فِي أَفْعَالِهِ كُلِّهَا‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ‏}‏ يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ وَإِنَّ رَبَّكَ يَا مُحَمَّدُ هُوَ يَجْمَعُ جَمِيعَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ عِنْدَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَهْلَ الطَّاعَةِ مِنْهُمْ وَالْمَعْصِيَةِ، وَكُلَّ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ، الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْهُمْ وَالْمُسْتَأْخِرِينَ‏.‏

وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثنا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ أَيِ الْأَوَّلَ وَالْآخِرَ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو خَالِدٍ الْقُرَشِيُّ، قَالَ‏:‏ ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ هَذَا مِنْ هَاهُنَا، وَهَذَا مِنْ هَاهُنَا‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ وَكُلُّهُمْ مَيِّتٌ، ثُمَّ يَحْشُرُهُمْ رَبُّهُمْ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عَامِرٍ ‏{‏وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ يَجْمَعُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جَمِيعًا، قَالَ الْحَسَنُ‏:‏ قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ قَالَ دَاوُدُ‏:‏ سَمِعْتُ عَامِرًا يُفَسِّرُ قَوْلَهُ ‏{‏إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ فِي تَدْبِيرِهِ خَلْقَهُ فِي إِحْيَائِهِمْ إِذَا أَحْيَاهُمْ، وَفِي إِمَاتَتِهِمْ إِذَا أَمَاتَهُمْ، عَلِيمٌ بِعَدَدِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ، وَبِالْحَيِّ مِنْهُمْ وَالْمَيِّتِ، وَالْمُسْتَقْدِمِ مِنْهُمْ وَالْمُسْتَأْخِرِ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ‏:‏ كُلُّ أُولَئِكَ قَدْ عَلِمَهُمُ اللَّهُ، يَعْنِي الْمُسْتَقْدِمِينَ وَالْمُسْتَأْخِرِينَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏26‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَلَقَدْ خَلَقَنَا آدَمَ وَهُوَ الْإِنْسَانُ مِنْ صَلْصَالٍ‏.‏ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الصَّلْصَالِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ هُوَ الطِّينُ الْيَابِسُ لَمْ تُصِبْهُ نَارٌ، فَإِذَا نَقَرْتَهُ صَلَّ فَسَمِعْتَ لَهُ صَلْصَلَةً‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَا ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ خُلِقَ آدَمُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ وَمِنْ طِينٍ لَازِبٍ، وَأَمَّا اللَّازِبُ‏:‏ فَالْجَيِّدُ، وَأَمَّا الْحَمَأُ‏:‏ فَالْحَمْأَةُ، وَأَمَّا الصَّلْصَالُ‏:‏ فَالتُّرَابُ الْمُرَقَّقُ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ إِنْسَانًا لِأَنَّهُ عُهِدَ إِلَيْهِ فَنَسِيَ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثنا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ ‏{‏وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ وَالصَّلْصَالُ‏:‏ التُّرَابُ الْيَابِسُ الَّذِي يُسْمَعُ لَهُ صَلْصَلَةٌ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ الصَّلْصَالُ‏:‏ الطِّينُ الْيَابِسُ يُسْمَعُ لَهُ صَلْصَلَةٌ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثنا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏مِنْ صَلْصَالٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ الصَّلْصَالُ‏:‏ الْمَاءُ يَقَعُ عَلَى الْأَرْضِ الطَّيِّبَةِ ثُمَّ يَحْسِرُ عَنْهَا، فَتَشَقَّقَ، ثُمَّ تَصِيرُ مِثْلَ الْخَزَفِ الرِّقَاقِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ ثَلَاثَةٍ‏:‏ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ، وَصَلْصَالٍ، وَحَمَأٍ مَسْنُونٍ‏.‏ وَالطِّينُ اللَّازِبُ‏:‏ اللَّازِقُ الْجَيِّدُ، وَالصَّلْصَالُ‏:‏ الْمُرَقَّقُ الَّذِي يُصْنَعُ مِنْهُ الْفَخَّارُ، وَالْمَسْنُونُ‏:‏ الطِّينُ فِيهِ الْحَمْأَةُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبِي، قَالَ‏:‏ ثني عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ ‏{‏وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ هُوَ التُّرَابُ الْيَابِسُ الَّذِي يُبَلُّ بَعْدَ يُبْسِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ‏:‏ ثنا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ‏:‏ الصَّلْصَالُ‏:‏ الَّذِي يُصَلْصِلُ، مِثْلَ الْخَزَفِ مِنَ الطِّينِ الطَّيِّبِ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ‏:‏ الصَّلْصَالُ‏:‏ طِينٌ صُلْبٌ يُخَالِطُهُ الْكَثِيبُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ‏:‏ ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏مِنْ صَلْصَالٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ التُّرَابُ الْيَابِسُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ الصَّلْصَالُ‏:‏ الْمُنْتِنُ‏.‏ وَكَأَنَّهُمْ وَجَّهُوا ذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ مِنْ قَوْلِهِمْ‏:‏ صَلَّ اللَّحْمُ وَأَصَلَّ، إِذَا أَنْتَنَ، يُقَالُ ذَلِكَ بِاللُّغَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا‏:‏ يَفْعَلُ وَأَفْعَلُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ‏:‏ ثنا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثنا وَرْقَاءُ، وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثنا شَبَابَةُ، قَالَ‏:‏ ثنا وَرْقَاءُ، وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ‏:‏ ثنا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏مِنْ صَلْصَالٍ‏}‏ الصَّلْصَالُ‏:‏ الْمُنْتِنُ‏.‏

وَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ أَنْ يَكُونَ الصَّلْصَالُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الَّذِي لَهُ صَوْتٌ مِنَ الصَّلْصَلَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَقَالَ ‏{‏خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ‏}‏ فَشَبَّهَهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِأَنَّهُ كَانَ كَالْفَخَّارِ فِي يُبْسِهِ‏.‏ وَلَوْ كَانَ مَعْنَاهُ فِي ذَلِكَ الْمُنْتِنِ لَمْ يُشَبِّهْهُ بِالْفَخَّارِ، لِأَنَّ الْفَخَّارَ لَيْسَ بِمُنْتِنٍ فَيُشَبَّهُ بِهِ فِي النَّتِنِ غَيْرُهُ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ ‏{‏مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ‏}‏ فَإِنَّ الْحَمَأَ‏:‏ جَمْعُ حَمْأَةٍ، وَهُوَ الطِّينُ الْمُتَغَيِّرُ إِلَى السَّوَادِ‏.‏ وَقَوْلُهُ ‏(‏مَسْنُونٍ‏)‏ يَعْنِي‏:‏ الْمُتَغَيِّرَ‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ ‏(‏مَسْنُونٍ‏)‏ فَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرِيِّينَ يَقُولُ‏:‏ عُنِيَ بِهِ‏:‏ حَمَأٌ مُصَوَّرٌ تَامٌ‏.‏ وَذُكِرَ عَنِ الْعَرَبِ أَنَّهُمْ قَالُوا‏:‏ سُنَّ عَلَى مِثَالِ سُنَّةِ الْوَجْهِ‏:‏ أَيُّ صُورَتِهِ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَكَأَنَّ سُنَّةَ الشَّيْءِ مِنْ ذَلِكَ‏:‏ أَيْ مِثَالَهُ الَّذِي وُضِعَ عَلَيْهِ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَلَيْسَ مِنَ الْآسِنِ الْمُتَغَيِّرِ، لِأَنَّهُ مِنْ سَنَنَّ مُضَاعَفٌ‏.‏

وَقَالَ آخِرُ مِنْهُمْ‏:‏ هُوَ الْحَمَأُ الْمَصْبُوبُ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَالْمَصْبُوبُ‏:‏ الْمَسْنُونُ، وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ‏:‏ سَنَنْتُ الْمَاءَ عَلَى الْوَجْهِ وَغَيْرِهِ إِذَا صَبَبْتُهُ‏.‏

وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْكُوفَةِ يَقُولُ‏:‏ هُوَ الْمُتَغَيِّرُ، قَالَ‏:‏ كَأَنَّهُ أَخَذَ مَنْ سَنَنْتُ الْحَجَرَ عَلَى الْحَجَرِ، وَذَلِكَ أَنْ يَحُكَّ أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ، يُقَالُ مِنْهُ‏:‏ سَنَنْتُهُ أَسُنُّهُ سَنًّا فَهُوَ مَسْنُونٌ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَيُقَالُ لِلَّذِي يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِهِمَا‏:‏ سَنِينٌ، وَيَكُونُ ذَلِكَ مُنْتِنًا‏.‏ وَقَالَ‏:‏ مِنْهُ سُمِّيَ الْمِسَنُّ لِأَنَّ الْحَدِيدَ يُسَنُّ عَلَيْهِ‏.‏ وَأَمَّا أَهْلُ التَّأْوِيلِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا فِي ذَلِكَ نَحْوَ مَا قُلْنَا‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ الْجُبَيْرِيُّ، قَالَ‏:‏ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، قَالَ‏:‏ ثنا مُسْلِمٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْحَمَأُ‏:‏ الْمُنْتِنَةُ‏.‏

حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَسْعُودِيُّ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ الَّذِي قَدْ أَنْتَنَ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ‏:‏ ثنا بِشْرُ بْنُ عِمَارَةَ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ مُنْتِنٌ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثني أَبِي، قَالَ‏:‏ ثني عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ ‏{‏مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ هُوَ التُّرَابُ الْمُبْتَلُّ الْمُنْتِنُ، فَجُعِلَ صَلْصَالًا كَالْفَخَّارِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحَسَنُ قَالَ‏:‏ ثنا وَرْقَاءُ، وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثنا شَبَابَةُ، قَالَ‏:‏ ثنا وَرْقَاءُ، وَحَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثنا شِبْلٌ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ مُنْتِنٌ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثنا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ‏}‏ وَالْحَمَأُ الْمَسْنُونُ‏:‏ الَّذِي قَدْ تَغَيَّرَ وَأَنْتَنَ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ ‏{‏مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ قَدْ أَنْتَنَ، قَالَ‏:‏ مُنْتِنَةٍ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ‏:‏ ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ، وَهُوَ اللَّازِقُ مِنَ الْكَثِيبِ، وَهُوَ الرَّمْلُ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ ثنا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ ‏{‏مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْحَمَأُ الْمُنْتِنُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ‏:‏ هُوَ الطِّينُ الرَّطْبُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ‏:‏ ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ ‏{‏مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ مِنْ طِينٍ رَطْبٍ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏27‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏(‏وَالْجَانَّ‏)‏ وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَىمَعْنَى الْجَانِّ وَلِمَ قِيلَ لَهُ جَانٌّ‏.‏ وَعَنَى بِالْجَانِّ هَاهُنَا‏:‏ إِبْلِيسَ أَبَا الْجِنِّ‏.‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَإِبْلِيسَ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلِ الْإِنْسَانِ مِنْ نَارِ السَّمُومِ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثنا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ‏}‏ وَهُوَ إِبْلِيسُ خُلِقَ قَبْلَ آدَمَ، وَإِنَّمَا خُلِقَ آدَمُ آخِرَ الْخَلْقِ، فَحَسَدَهُ عَدُوُّ اللَّهِ إِبْلِيسَ عَلَى مَا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنَ الْكَرَامَةِ، فَقَالَ‏:‏ أَنَا نَارِيٌّ، وَهَذَا طِينِيٌّ، فَكَانَتِ السَّجْدَةُ لِآدَمَ، وَالطَّاعَةُ لِلَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ، فَقَالَ ‏{‏اُخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ‏}‏‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى ‏{‏نَارِ السَّمُومِ‏}‏ فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ هِيَ السَّمُومُ الْحَارَّةُ الَّتِي تَقْتُلُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ التَّمِيمِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ‏}‏ قَالَ‏:‏ هِيَ السُّمُومُ الَّتِي تَقْتُلُ، فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَار فَاحْتَرَقَتْ قَالَ‏:‏ هِيَ السَّمُومُ الَّتِي تَقْتُلُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا الْحُمَّانِيُّ، قَالَ‏:‏ ثنا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ التَّمِيمِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ‏}‏ قَالَ‏:‏ هِيَ السَّمُومُ الَّتِي تَقْتُلُ، فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ قَالَ‏:‏ هِيَ السُّمُومُ الَّتِي تَقْتُلُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ يَعْنِي بِذَلِكَ مِنْ لَهَبِ النَّارِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ‏:‏ ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مِغْرَاءٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ‏}‏ قَالَ‏:‏ مِنْ لَهَبٍ مِنْ نَارِ السَّمُومِ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عُثْمَانُ، عَنْ سَعِيدٍ، قَالَ‏:‏ ثنا بِشْرُ بْنُ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ كَانَ إِبْلِيسُ مَنْ حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْمَلَائِكَةِ يُقَالُ لَهُمُ الْجِنُّ، خُلِقُوا مِنْ نَارِ السَّمُومِ مِنْ بَيْنِ الْمَلَائِكَةِ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَخُلِقَتِ الْجِنُّ الَّذِينَ ذُكِرُوا فِي الْقُرْآنِ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ‏:‏ ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ‏:‏ دَخَلْتُ عَلَى عَمْرِو بْنِ الْأَصَمِّ أَعُودُهُ، فَقَالَ‏:‏ أَلَا أُحَدِّثُكَ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مَنْ عَبْدِ اللَّهِ‏؟‏ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ يَقُولُ‏:‏ هَذِهِ السَّمُومُ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنَ السَّمُومِ الَّتِي خَرَجَ مِنْهَا الْجَانُّ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَتَلَا ‏{‏وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ‏}‏‏.‏ وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَقُولُ‏:‏ السُّمُومُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ‏.‏ وَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ الْحَرُورُ بِالنَّهَارِ، وَالسَّمُومِ بِاللَّيْلِ، يُقَالُ‏:‏ سَمَّ يَوْمُنَا يَسَمُّ سَمُومًا‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَسْكَرٍ، قَالَ‏:‏ ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ، قَالَ‏:‏ ثني عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ مَعْقِلٍ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ وَهَبَ بْنَ مُنَبِّهٍ، وَسُئِلَ عَنِ الْجِنِّ مَا هُمْ، وَهَلْ يَأْكُلُونَ أَوْ يَشْرَبُونَ، أَوْ يَمُوتُونَ، أَوْ يَتَنَاكَحُونَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ هُمْ أَجْنَاسٌ، فَأَمَا خَالِصُ الْجِنِّ فَهُمْ رِيحٌ لَا يَأْكُلُونَ وَلَا يَشْرَبُونَ وَلَا يَمُوتُونَ وَلَا يَتَوَالَدُونَ‏.‏ وَمِنْهُمْ أَجْنَاسٌ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَتَنَاكَحُونَ وَيَمُوتُونَ، وَهِيَ هَذِهِ الَّتِي مِنْهَا السَّعَالِي وَالْغُولُ وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏28- 29‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏وَ‏)‏ اُذْكُرْ يَا مُحَمَّدُ ‏{‏إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ‏}‏‏.‏

يَقُولُ‏:‏ فَإِذَا صَوَّرْتُهُ فَعَدَّلْتُ صُورَتَهُ ‏{‏وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي‏}‏ فَصَارَ بَشَرًا حَيًّا ‏{‏فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ‏}‏ سُجُودُ تَحِيَّةٍ وَتَكْرِمَةٍ لَا سُجُودَ عِبَادَةٍ‏.‏

وَقَدْ حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُكْرَمٍ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثنا شَبِيبُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْمَلَائِكَةَ قَالَ‏:‏ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ، فَإِذَا أَنَا خَلَقْتُهُ فَاسْجُدُوا لَهُ، فَقَالُوا‏:‏ لَا نَفْعَلُ‏.‏ فَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ نَارًا فَأَحْرَقَتْهُمْ، وَخَلَقَ مَلَائِكَةً أُخْرَى، فَقَالَ‏:‏ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ، فَإِذَا أَنَا خَلَقْتُهُ فَاسْجُدُوا لَهُ، فَأَبَوْا، قَالَ‏:‏ فَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ نَارًا فَأَحْرَقَتْهُمْ، ثُمَّ خَلَقَ مَلَائِكَةً أُخْرَى، فَقَالَ‏:‏ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ، فَإِذَا أَنَا خَلَقْتُهُ فَاسْجُدُوا لَهُ، فَأَبَوْا، فَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ نَارًا فَأَحْرَقَتْهُمْ، ثُمَّ خَلَقَ مَلَائِكَةً، فَقَالَ‏:‏ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ، فَإِذَا أَنَا خَلَقْتُهُ فَاسْجُدُوا لَهُ، فَقَالُوا‏:‏ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا، إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ الْأَوَّلِينَ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏30- 32‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ فَلَمَّا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ الْبَشَرَ، وَنَفَخَ فِيهِ الرُّوحَ بَعْدَ أَنْ سَوَّاهُ، سَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ جَمِيعًا، إِلَّا إِبْلِيسَ، فَإِنَّهُ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ فِي سُجُودِهِمْ لِآدَمَ حِينَ سَجَدُوا، فَلَمْ يَسْجُدْ لَهُ مَعَهُمْ تَكَبُّرًا وَحَسَدًا وَبَغْيًا، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ ‏{‏يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ مَا مَنَعَكَ مِنْ أَنْ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ، فَإِنَّ فِي قَوْلِ بَعْضِ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ خَفْضٌ، وَفِي قَوْلِ بَعْضِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ نَصْبٌ بِفَقْدِ الْخَافِضِ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏33- 35‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ ‏(‏قَالَ‏)‏ إِبْلِيسُ‏:‏ ‏{‏لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ‏}‏ وَهُوَ مِنْ طِينٍ وَأَنَا مِنْ نَارٍ، وَالنَّارُ تَأْكُلُ الطِّينَ‏.‏ وَقَوْلُهُ ‏{‏فَاخْرُجْ مِنْهَا‏}‏ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِإِبْلِيسَ‏:‏ ‏{‏فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ‏}‏‏.‏

وَالرَّجِيمُ الْمَرْجُومُ، صُرِفَ مِنْ مَفْعُولٍ إِلَى فَعِيلٍ وَهُوَ الْمَشْتُومُ، كَذَلِكَ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثنا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏فَإِنَّكَ رَجِيمٌ‏}‏ وَالرَّجِيمُ‏:‏ الْمَلْعُونُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلَهُ ‏{‏فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ مَلْعُونٌ‏.‏ وَالرَّجْمُ فِي الْقُرْآنِ‏:‏ الشَّتْمُ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَإِنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْكَ بِإِخْرَاجِهِ إِيَّاكَ مِنَ السَّمَوَاتِ وَطَرْدِكَ عَنْهَا إِلَى يَوْمِ الْمُجَازَاةِ، وَذَلِكَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى اللَّعْنَةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ هَاهُنَا‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏36- 38‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ قَالَ إِبْلِيسُ‏:‏ رَبِّ فَإِذْ أَخْرَجْتَنِي مِنَ السَّمَوَاتِ وَلَعَنْتَنِي، فَأَخِّرْنِي إِلَى يَوْمِ تَبْعَثُ خَلْقَكَ مِنْ قُبُورِهِمْ فَتَحْشُرَهُمْ لِمَوقِفِ الْقِيَامَةِ، قَالَ اللَّهُ لَهُ‏:‏ فَإِنَّكَ مِمَّنْ أُخِّرَ هَلَاكُهُ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ لِهَلَاكِ جَمِيعِ خِلْقِي، وَذَلِكَ حِين لَا يَبْقَى عَلَى الْأَرْضِ مِنْ بَنِي آدَمَ دَيَّارٌ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏39- 40‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ قَالَ إِبْلِيسُ‏:‏ ‏{‏رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي‏}‏ بِإِغْوَائِكَ ‏{‏لِأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ‏}‏ وَكَأَنَّ قَوْلَهُ ‏{‏بِمَا أَغْوَيْتَنِي‏}‏ خَرَجَ مَخْرَجَ الْقَسَمِ، كَمَا يُقَالُ‏:‏ بِاللَّهِ، أَوْ بِعِزَّةِ اللَّهِ لِأُغْوِيَنَّهُمْ‏.‏ وَعَنَى بِقَوْلِهِ ‏{‏لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ‏}‏ لِأُحَسِّنَنَّ لَهُمْ مَعَاصِيَكَ، وَلِأُحَبِّبَنَّهَا إِلَيْهِمْ فِي الْأَرْضِ ‏{‏وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَلَأُضِلَّنَّهُمْ عَنْ سَبِيلِ الرَّشَادِ ‏{‏إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ إِلَّا مَنْ أَخْلَصْتَهُ بِتَوْفِيقِكَ فَهَدَيْتَهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّنْ لَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْهِ وَلَا طَاقَةَ لِي بِهِ‏.‏ وَقَدْ قُرِئَ‏:‏ ‏{‏إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ‏}‏ فَمَنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ‏:‏ إِلَّا مِنْ أَخْلَصَ طَاعَتَكَ، فَإِنَّهُ لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْهِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ ‏{‏إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ‏}‏ يَعْنِي‏:‏ الْمُؤْمِنِينَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ‏:‏ ثنا هِشَامٌ، قَالَ‏:‏ ثنا عَمْرٌو، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ‏}‏ قَالَ قَتَادَةُ‏:‏ هَذِهِ ثَنِيَّةُ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏41- 42‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ‏}‏‏.‏

اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ ‏{‏قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ‏}‏ فَقَرَأَهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْحِجَازِ وَالْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ ‏{‏هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ‏}‏ بِمَعْنَى‏:‏ هَذَا طَرِيقٌ إِلَيَّ مُسْتَقِيمٌ‏.‏

فَكَانَ مَعْنَى الْكَلَامِ‏:‏ هَذَا طَرِيقٌ مَرْجِعُهُ إِلَيَّ فَأُجَازِي كُلًّا بِأَعْمَالِهِمْ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ ‏{‏إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ‏}‏، وَذَلِكَ نَظِيرُ قَوْلِ الْقَائِلِ لِمَنْ يَتَوَعَّدُهُ وَيَتَهَدَّدُهُ‏:‏ طَرِيقُكَ عَلَيَّ، وَأَنَا عَلَى طَرِيقِكَ، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏هَذَا صِرَاطٌ‏}‏ مَعْنَاهُ‏:‏ هَذَا طَرِيقٌ عَلَيَّ وَهَذَا طَرِيقٌ إِلَيَّ‏.‏ وَكَذَلِكَ تَأَوَّلَ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثنا وَرْقَاءُ، وَحَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ‏:‏ ثنا شَبَابَةُ، قَالَ‏:‏ ثنا وَرْقَاءُ، وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ‏:‏ ثنا شِبْلٌ، وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ‏:‏ ثنا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ ‏{‏هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْحَقُّ يُرْجِعُ إِلَى اللَّهِ، وَعَلَيْهِ طَرِيقُهُ، لَا يُعَرِّجُ عَلَى شَيْءٍ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِنَحْوِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ‏:‏ ثنا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثنا مَرْوَانُ بْنُ شُجَاعٍ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ أَنَّهُمَا قَرَآهَا ‏{‏هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ‏}‏ وَقَالَا عَلَيَّ هِيَ إِلَيَّ وَبِمَنْـزِلَتِهَا‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ وَسَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ ‏{‏هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ إِلَيَّ مُسْتَقِيمٌ‏.‏ وَقَرَأَ ذَلِكَ قَيْسُ بْنُ عَبَّادٍ وَابْنُ سِيرِينَ وَقَتَادَةُ فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُمْ ‏{‏هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ‏}‏ بِرَفْعِ عَلَيَّ عَلَى أَنَّهُ نَعْتٌ لِلصِّرَاطِ، بِمَعْنَى‏:‏ رَفِيعٍ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ‏:‏ ثنا ابْنُ أَبِي حَمَّادٍ، قَالَ‏:‏ ثني جَعْفَرٌ الْبَصَرِيُّ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ ‏{‏هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ‏}‏ يَعْنِي‏:‏ رَفِيعٌ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثنا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ ‏{‏هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ‏}‏ أَيْ رَفِيعٌ مُسْتَقِيمٌ، قَالَ بِشْرٌ، قَالَ يَزِيدُ، قَالَ سَعِيدٌ‏:‏ هَكَذَا نَقْرَؤُهَا نَحْنُ وَقَتَادَةُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ هَارُونَ، عَنْ أَبِي الْعَوَّامِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ ‏{‏هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ رَفِيعٌ‏.‏

وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ ‏{‏هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ‏}‏ عَلَى التَّأْوِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ مُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَمَنْ وَافَقَهُمَا عَلَيْهِ، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهَا، وَشُذُوذِ مَا خَالَفَهَا‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ حُجَّةٌ، إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ عَلَى مَا دَعَوْتَهُ إِلَيْهِ مِنَ الضَّلَالَةِ مِمَّنْ غَوَى وَهَلَكَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا سُوَيْدٌ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ، قَالَ ثنا يَزِيدُ بْنُ قُسَيْطٍ، قَالَ‏:‏ «كَانَتِ الْأَنْبِيَاءُ لَهُمْ مَسَاجِدُ خَارِجَةٌ مِنْ قُرَاهُمْ، فَإِذَا أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْبِئَ رَبَّهُ عَنْ شَيْءٍ، خَرَجَ إِلَى مَسْجِدِهِ، فَصَلَّى مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ، ثُمَّ سَأَلَ مَا بَدَا لَهُ، فَبَيْنَمَا نَبِيٌّ فِي مَسْجِدِهِ، إِذَا جَاءَ عَدُوُّ اللَّهِ حَتَّى جَلَسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ أَعُوَذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، فَقَالَ عَدُوُّ اللَّهِ‏:‏ أَرَأَيْتَ الَّذِي تَعَوَّذُ مِنْهُ فَهُوَ هُوَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ أَعُوَذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ فَرَدَّدَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ عَدُوُّ اللَّهِ‏:‏ أَخْبِرْنِي بِأَيِّ شَيْءٍ تَنْجُو مِنِّي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ بَلْ أَخْبِرْنِي بِأَيِّ شَيْءٍ تَغْلِبُ ابْنَ آدَمَ، مَرَّتَيْنِ، فَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ يَقُولُ‏:‏ ‏{‏إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ‏}‏ قَالَ عَدُوُّ اللَّهِ‏:‏ قَدْ سَمِعْتُ هَذَا قَبْلَ أَنْ تُولَدَ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ وَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏وَإِمَّا يَنْـزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَـزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ‏}‏ وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَحْسَسْتُ بِكَ قَطُّ إِلَّا اسْتَعَذْتُ بِاللَّهِ مِنْكَ، فَقَالَ عَدُوُّ اللَّهِ‏:‏ صَدَقْتَ بِهَذَا تَنْجُو مِنِّي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ فَأَخْبِرْنِي بِأَيِّ شَيْءٍ تَغْلِبُ ابْنَ آدَمَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ آخُذُهُ عِنْدَ الْغَضَبِ، وَعِنْدَ الْهَوَى»‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏43- 44‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِقَوْلُهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِإِبْلِيسَ‏:‏ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لِمَوْعِدُ مَنْ تَبِعَكَ أَجْمَعِينَ ‏{‏لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ لِجَهَنَّمَ سَبْعَةُ أَطْبَاقٍ، لِكُلِّ طَبَقٍ مِنْهُمْ‏:‏ يَعْنِي مِنْ أَتْبَاعِ إِبْلِيسَ جُزْءٌ، يَعْنِي‏:‏ قَسْمًا وَنَصِيبًا مَقْسُومًا‏.‏

وَذُكِرَ أَنَّ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ طَبَقَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ‏:‏ ثنا شُعْبَةُ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا هَارُونَ الْغَنَوِيَّ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ حِطَّانَ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ عَلِيًّا وَهُوَ يَخْطُبُ، قَالَ‏:‏ إِنَّ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ هَكَذَا، وَوَضْعَ شُعْبَةُ إِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ‏:‏ ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي هَارُونَ الْغَنَوِيِّ، عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ‏:‏ قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ تَدْرُونَ كَيْفَ أَبْوَابُ النَّارِ‏؟‏ قُلْنَا‏:‏ نَعَمْ كَنَحْوِ هَذِهِ الْأَبْوَابِ، فَقَالَ‏:‏ لَا وَلَكِنَّهَا هَكَذَا، فَوَصَفَ أَبُو هَارُونَ أَطْبَاقًا بَعْضَهَا فَوْقَ بَعْضٍ، وَفَعَلَ ذَلِكَ أَبُو بِشْرٍ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ‏:‏ ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي هَارُونَ الْغَنَوِيِّ، عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ‏:‏ هَلْ تَدْرُونَ كَيْفَ أَبْوَابُ النَّارِ‏؟‏ قَالُوا‏:‏ كَنَحْوِ هَذِهِ الْأَبْوَابِ، قَالَ‏:‏ لَا وَلَكِنْ هَكَذَا، فَوَصَفَ بَعْضَهَا فَوْقَ بَعْضٍ‏.‏

حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ‏:‏ ثنا مُصْعَبُ بْنُ الْمِقْدَامِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ هُبَيْرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ‏:‏ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ سَبْعَةٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ، فَيَمْتَلِئُ الْأَوَّلُ، ثُمَّ الثَّانِي، ثُمَّ الثَّالِثُ، ثُمَّ تَمْتَلِئُ كُلُّهَا‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ‏:‏ ثنا شَبَابَةُ، قَالَ‏:‏ ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ هُبَيْرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ‏:‏ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ سَبْعَةٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ، وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ عَلَى الْأَوَّلِ، ثُمَّ الثَّانِي، ثُمَّ الثَّالِثَ حَتَّى تُمْلَأَ كُلُّهَا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ‏:‏ ثنا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ هُبَيْرَةَ بْنِ مَرْيَمَ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ‏:‏ إِنَّ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ، فَيُمْلَأُ الْأَوَّلُ ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ، إِلَى آخِرِهَا‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عَلِيٌّ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْوَاسِطِيُّ، عَنْ جَهْضَمٍ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ ‏{‏لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ لَهَا سَبْعَةُ أَطْبَاقٍ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلَهُ ‏{‏لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ أَوَّلُهَا جَهَنَّمُ، ثُمَّ لَظًى، ثُمَّ الْحَطْمَةُ، ثُمَّ السَّعِيرُ، ثُمَّ سَقَرُ، ثُمَّ الْجَحِيمُ، ثُمَّ الْهَاوِيَةُ، وَالْجَحِيمُ فِيهَا أَبُو جَهْلٍ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثنا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ ‏{‏لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ‏}‏ وَهِيَ وَاللَّهِ مَنَازِلُ بِأَعْمَالِهِمْ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏45- 47‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ اُدْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ وَنَـزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوُا اللَّهَ بِطَاعَتِهِ وَخَافُوهُ، فَتَجَنَّبُوا مَعَاصِيَهُ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، يُقَالُ لَهُمْ‏:‏ ‏{‏اُدْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ‏}‏ مِنْ عِقَابِ اللَّهِ، أَوْ أَنْ تُسْلَبُوا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا اللَّهُ عَلَيْكُمْ، وَكَرَامَةً أَكْرَمَكُمْ بِهَا‏.‏ قَوْلُهُ ‏{‏وَنَـزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَأَخْرَجْنَا مَا فِي صُدُورِ هَؤُلَاءِ الْمُتَّقِينَ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتَهُمْ مِنْ حِقْدٍ وَضَغِينَةٍ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْحَالِ الَّتِي يَنْـزَعُ اللَّهُ ذَلِكَ مِنْ صُدُورِهِمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ يَنْـزِلُ ذَلِكَ بَعْدَ دُخُولِهِمُ الْجَنَّةَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو غَسَّانَ، قَالَ‏:‏ ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ بِشْرٍ الْبَصْرِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ‏:‏ يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ عَلَى مَا فِي صُدُورِهِمْ فِي الدُّنْيَا مِنَ الشَّحْنَاءِ وَالضَّغَائِنِ، حَتَّى إِذَا تُوَافَوْا وَتُقَابَلُوا نَـزَعَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِهِمْ فِي الدُّنْيَا مِنْ غِلٍّ، ثُمَّ قَرَأَ ‏{‏وَنَـزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو فَضَالَةَ، عَنْ لُقْمَانَ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ‏:‏ لَا يَدْخُلُ مُؤْمِنٌ الْجَنَّةَ حَتَّى يَنْـزَعُ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ، ثُمَّ يَنْـزَعُ مِنْهُ‌ السَّبُعَ الضَّارِيَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، قَالَ‏:‏ ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي مُوسَى سَمِعَ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ يَقُولُ‏:‏ قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ فِينَا وَاللَّهِ أَهِلَ بَدْرٍ نَـزَلَتِ الْآيَةُ ‏{‏وَنَـزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ‏:‏ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ‏:‏ ‏{‏وَنَـزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ‏}‏ قَالَ‏:‏ مِنْ عَدَاوَةٍ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْوَاسِطِيُّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ ‏{‏وَنَـزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْعَدَاوَةُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثنا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عَلِيٍّ ‏{‏وَنَـزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْعَدَاوَةُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ‏:‏ جَاءَ ابْنُ جُرْمُوزٍ قَاتِلُ الزُّبَيْرِ يَسْتَأْذِنُ عَلَى عَلِيٍّ، فَحَجَبَهُ طَوِيلًا ثُمَّ أَذِنَ لَهُ فَقَالَ لَهُ‏:‏ أَمَّا أَهْلُ الْبَلَاءِ فَتَجْفُوهُمْ، قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ بِفِيكَ التُّرَابُ، إِنِّي لِأَرْجُوَ أَنْ أَكُونَ أَنَا وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ مِمَّنْ قَالَ اللَّهُ ‏{‏وَنَـزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ عَلِيٍّ نَحْوَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبِي، عَنْ أَبَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، بِنَحْوِهِ، وَزَادَ فِيهِ‏:‏ قَالَ‏:‏ فَقَامَ إِلَى عَلِيٍّ رَجُلٌ مِنْ هَمَدَانَ، فَقَالَ‏:‏ اللَّهُ أَعْدَلُ مِنْ ذَلِكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ‏:‏ فَصَاحَ عَلِيٌّ صَيْحَةً ظَنَنْتُ أَنَّ الْقَصْرَ تَدَهْدَهُ لَهَا، ثُمَّ قَالَ‏:‏ إِذَا لَمْ نَكُنْ نَحْنُ، فَمَنْ هُمْ‏؟‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو مَالِكٍ الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ أَبِي حَبِيبَةَ مَوْلًى لِطَلْحَةَ، قَالَ‏:‏ دَخَلَ عِمْرَانُ بْنُ طَلْحَةَ عَلَى عَلِيٍّ بَعْدَ مَا فَرَغَ مِنْ أَصْحَابِ الْجَمَلِ، فَرَحَّبَ بِهِ وَقَالَ‏:‏ إِنِّي لِأَرْجُوَ أَنْ يَجْعَلَنِي اللَّهُ وَأَبَاكَ مِنَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ ‏{‏إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ‏}‏، وَرَجُلَانِ جَالِسَانِ عَلَى نَاحِيَةِ الْبِسَاطِ، فَقَالَا اللَّهُ أَعْدَلُ مِنْ ذَلِكَ، تَقْتُلُهُمْ بِالْأَمْسِ وَتَكُونُونَ إِخْوَانًا‏؟‏ فَقَالَ عَلِيٌّ‏:‏ قُومَا أَبْعَدَ أَرْضٍ وَأَسْحَقَهَا‏.‏ فَمَنْ هُمْ إِذَنْ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَنَا وَطَلْحَةُ‏؟‏ وَذَكَرَ لَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عَفَّانُ، قَالَ‏:‏ ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو مَالِكٍ، قَالَ‏:‏ ثنا أَبُو حَبِيبَةَ، قَالَ‏:‏ قَالَ عَلِيٌّ لِابْنِ طَلْحَةَ‏:‏ إِنِّي لِأَرْجُوَ أَنْ يَجْعَلَنِي اللَّهُ وَأَبَاكَ مِنَ الَّذِينَ نَـزَعَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ وَيَجْعَلَنَا إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ‏:‏ ثنا حَمَّادُ بْنُ خَالِدٍ الْخَيَّاطُ، عَنْ أَبِي الْجُوَيْرِيَّةِ، قَالَ‏:‏ ثنا مُعَاوِيَةُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ طَلْحَةَ، قَالَ‏:‏ لَمَّا نَظَرَنِي عَلِيٌّ قَالَ‏:‏ مَرْحَبًا بِابْنِ أَخِي، فَذَكَرَ نَحْوَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ‏:‏ اسْتَأْذَنَ الْأَشْتَرُ عَلَى عَلِيٍّ وَعِنْدَهُ ابْنٌ لِطَلْحَةَ، فَحَبَسَهُ، ثُمَّ أَذِنَ لَهُ، فَلَمَّا دَخَلَ قَالَ‏:‏ إِنِّي لِأَرَاكَ إِنَّمَا حَبَسْتَنِي لِهَذَا، قَالَ‏:‏ أَجَلْ، قَالَ‏:‏ إِنِّي لِأُرَاهُ لَوْ كَانَ عِنْدَكَ ابْنٌ لِعُثْمَانَ لَحَبَسْتَنِي، قَالَ‏:‏ أَجَلْ إِنِّي لِأَرْجُوَ أَنْ أَكُونَ أَنَا وَعُثْمَانُ مِمَّنْ قَالَ اللَّهُ ‏{‏وَنَـزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثنا إِسْحَاقُ الْأَزْرَقُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَوْفٌ، عَنْ سِيرِينَ، بِنَحْوِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثنا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَضْرَمِيُّ، قَالَ‏:‏ ثنا السَّكَنُ بْنُ الْمُغِيرَةَ، قَالَ‏:‏ ثنا مُعَاوِيَةُ بْنُ رَاشِدٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ عَلِيٌّ إِنِّي لِأَرْجُوَ أَنْ أَكُونَ أَنَا وَعُثْمَانُ مِمَّنْ قَالَ اللَّهُ ‏{‏وَنَـزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثنا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ‏:‏ ثنا ابْنُ الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِي، أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ حَدَّثَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏(‏«يَخْلُصُ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ فَيُحْبَسُونَ عَلَى قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَيُقْتَصُّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ مَظَالِمُ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا هُذِّبُوا وَنُقُّوا أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ قَالَ فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَأَحَدُهُمْ أَهْدَى بِمَنِـزِلِهِ فِي الْجَنَّةِ مِنْهُ بِمَنْـزِلِهِ الَّذِي كَانَ فِي الدُّنْيَا»‏.‏ وَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ مَا يُشَبَّهُ بِهِمْ إِلَّا أَهْلُ جُمْعَةٍ انْصَرَفُوا مَنْ جُمْعَتِهِمْ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ‏:‏ ثنا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ‏:‏ ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ‏:‏ ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ‏{‏وَنَـزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ ثنا قَتَادَةُ أَنَّ أَبَا الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِي حَدَّثَهُمْ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ حَدَّثَهُمْ، قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ نَحْوَهُ، إِلَى قَوْلِهِ ‏"‏وَأُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ‏"‏ ثُمَّ جُعِلَ سَائِرُ الْكَلَامِ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ‏:‏ وَقَالَ قَتَادَةُ‏:‏ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لِأَحَدُهُمْ أَهْدَى بِمَنْـزِلِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ بَاقِي الْحَدِيثِ نَحْوَ حَدِيثِ بِشْرٍ، غَيْرَ أَنَّ الْكَلَامَ إِلَى آخِرِهِ عَنْ قَتَادَةَ، سِوَى أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِهِ‏:‏ قَالَ قَتَادَةُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ مَا يُشَبَّهُ بِهِمْ إِلَّا أَهْلُ الْجُمْعَةِ إِذَا انْصَرَفُوا مِنَ الْجُمْعَةِ‏.‏

حَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَوَدِيُّ، قَالَ‏:‏ ثنا عُمَرُ بْنُ زُرْعَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الزُّبَيْدِيِّ، عَنْ كَثِيرٍ النَّوَّاءِ، قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ‏:‏ دَخَلْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، فَقُلْتُ‏:‏ وَلِيِّي وَلِيُّكُمْ، وَسِلْمِي سِلْمُكُمْ، وَعَدُوِّي عَدُوُّكُمْ، وَحَرْبِي حَرْبُكُمْ، إِنِّي أَسْأَلُكَ بِاللَّهِ، أَتَبْرَأُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقَالَ‏:‏ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ، تَوَلَّهُمَا يَا كَثِيرٌ، فَمَا أَدْرَكَكَ فَهُوَ فِي رَقَبَتِي، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ ‏{‏إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ إِخْوَانًا يُقَابِلُ بَعْضُهُمْ وَجْهَ بَعْضٍ، لَا يَسْتَدْبِرُهُ فَيَنْظُرَ فِي قَفَاهُ، وَكَذَلِكَ تَأَوَّلَهُ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثنا مُؤَمَّلٌ، قَالَ‏:‏ ثنا سُفْيَانُ، قَالَ‏:‏ ثنا حُصَيْنٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ لَا يَنْظُرُ أَحَدُهُمْ فِي قَفَا صَاحِبِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثنا يَحْيَى وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَمُؤَمَّلٌ، قَالُوا‏:‏ ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏ وَالسُّرُرُ‏:‏ جَمْعُ سَرِيرٍ، كَمَا الْجُدُدُ‏:‏ جَمْعُ جَدِيدٍ، وَجَمَعَ سُرُرًا، وَأَظْهَرَ التَّضْعِيفَ فِيهَا، وَالرَّاءَانِ مُتَحَرِّكَتَانِ لِخِفَّةِ الْأَسْمَاءِ، وَلَا تَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الْأَفْعَالِ لِثِقَلِ الْأَفْعَالِ، وَلَكِنَّهُمْ يُدْغِمُونَ فِي الْفِعْلِ لِيَسْكُنَ أَحَدُ الْحَرْفَيْنِ فَيُخَفَّفُ، فَإِذَا دَخَلَ عَلَى الْفِعْلِ مَا يُسَكِّنُ الثَّانِي أَظْهَرُوا حِينَئِذٍ التَّضْعِيفَ‏.‏